الاثنين، 19 مارس 2012

سطوةُ الخطاب الفضفاض

السلام عليكم ورحمة الله مقالنا التالي، نرى أنه يشكل مساهمة مهمة في وقف نزيف الخطابات الأيديولوجية التي تستهلك طافة الشباب وتشتت جهودهم


سطوةُ الخطاب الفضفاض

معَ تنامي الوعي الوطني بالتردي المؤسفِ لواقع بلادنا، لم يعد هناك مناكف في حالة البلد التي يعيشها ويعرفها سكانه، فلعل الأطراف الفاعلة كلّها أصبحت مجمعة بما فيها النظام القائم ـ ولعلها من حسناته ـ أن البلد يعيش أوضاعا مزرية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا فإن الحديث كان يجب أن يتجه لزاماً إلى الإصلاح والحلول الناجعة الشاملة، التي ستنقذ الأمة، ولاشك أن أول خطوة نحو أي إصلاح مجتمعي، تتجسّد في صياغة وبلورة أهداف وطنية، في مختلف اتجاهات وأبعاد الحياة، سياسية واقتصادية واجتماعية. وحين نتحدث هنا عن صياغة فكرة أو بلورة هدف فإننا بالطبع نتحدث عن مسؤولية صانعي الرأي العام وموجهي العقول، وهم النخبة المثقفة، وأما شرُّ الدواب في الأرض ذوي العقول المتبلدة والملقحة ضد التفكير فأولائك لايصنعون مستقبلا ولا يغيرون واقعا.

ريح الأيديولوجيا العقيم: خطابٌ فضفاضٌ

الأيديولوجيا ـ كما هو معروف ـ هي دعوة أيا كانت، وليست عقيدة ولا دينا، بل هي نسق من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) يهدف إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسّط ويبرر الاختيارات السياسية أو الاجتماعية للأفراد والجماعات،كما عرفتها موسوعة ويكيبيديا، ولقد ترجمتها موسوعة ُ آنكارتا في أحد معانيها بأنها مجموعة أفكار تبسيطية لا تولي اهتماما للحقيقة .

ولا أنكر أنني ككثيرين، كنت أنتظرُ، بعد أن تناغمت خطاباتُ الفرقاء السياسيين بمختلف أطيافهم مع خُطَب المثقفين بشتّى مشاربهم؛ أن تتجه الألسن والعقول إلى صناعة وبلورة خطوط الحل العريضة، عبر تعاط فكري ناضج واع يكون نتاج تلاقحه: وضعَ أسس جديدةٍ لدولتنا التائهة، ولا أنكر أنني عولت كثيرا على "الدّعاة" أو ذوي الأيديولوجيات، لكونهم أدْربَ على النقاش، وأشد تحمسا للاشتراك في كل شدّ وجذب، على أنّي أدرك تمام الإدراك أن الأسئلة والنقاشات الأيديولوجية، لا تشكل ـ إطلاقا ـ جوابا على سؤالِ: ماذا ينبغي أن نفعلَ من أجل أن نحقق نهضة لهذا الوطن؟ بل هي بالأحرى جوابٌ لسؤال: كيف نوزع عوائد التنمية توزيعا عادلا أو كيف ننطق حروف كلمة "تنمية"، أما سؤال:كيف نصنع التنمية؟ أو كيف نرتب حروف كلمة "تنمية"؟ فهذه أسئلة معرفية محضةٌ، لا تتطلب الإجابة عليها أي مرجعية أيديولوجية، بل تنتج الإجابة على هذه الأسئلة التنموية الملحة من منظوماتٍ معرفية تنطلق من الإلمام بالواقع وتنسجم مع طموحات المستقبل، تلك هي الأجوبة التي ستشكل إطارا طبيعيا لأي تقدم منشود.

ولكني مع هذا كله، أكبرت الأمل في نقاشات القوم، وانتظرت سحابا من بروقهم ورعودهم، التي وفي إطار الجفاف الفكري لواقعنا الراهن، انصبت بمساجلات أيديولوجية عقيمة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ونثرت ريحها العقيم جدالاتٍ ذهبت في السطحية إلى أبعد شَأو، حيث قسّمت النقابات (طلابية، عمالية،...) ونقضت غزلها، وشخصنت أمورا ونصبت رموزا وحاربت دونها بخيلها ورجلها(شيوخ، شخصيات، لحى، مفاهيم سطحية،...) فما تذكرت إلا حرب داحس والغبراء، والعرب في جاهليتهم الجهلاء.

وهذا الخطاب المسطّح الذي يطلقه دعاة كل أيديولوجية يكشف أمرا خطيرا جدا: أن النخبة المثقفة قد تجاوز خطابها الزمن وأضحت غير قادرة على ممارسة التفكير في مشاكلها الخاصة، ما حدي بها إلى استخراج أرشيف المشاكل وإعادة طرح جدليات مستوردة من بيئات مختلفة، وتم تجاوزها في الغالب، وهذا أمر يعري حقيقة وعي مثقفي الأيديولوجيا المزيف، ويبن أن في بلد المليون شاعر ما يزال الوعي السياسي والاجتماعي لدى النخبة ناقصا بل واهما، فالوعي بالمحيط الخارجي يترجم في خطاب الإنسان، وحين يخرج خطاب الإنسان بلغة خشبية لاترد على التساؤلات المطروحة، باردة لاتحس بلفح الواقع، فهذا لايدع أي مجالا للشك في وهم الأيديولوجيا، وكونها تعكس صورة مقلوبة للواقع، وهذه الصورة النمطية تجعل الأيديولوجيين، إلا قليلا، يحفظون أجوبة نمطية وصورا ثابتة عن واقع لم يعيشوه وبلغة قديمة لم يعد يتكلمها أحد، وهم بهذا يجعلون الأيديولوجية التي اعتنقوها عقيدة منزوعة الروح ، ويغيّبون أي صفة حميدة كانت يمكن أن توصف بها الأيديولوجية، وقليلون جدا هم أولائك الذين ما يزال لأيديولوجتهم اتصال بالواقع، والحقيقة أن ثقافة الأدلجة تزاوجت بثقافة أخرى هي ثقافة الانتفاعية والتمصلح فأنجبا مسخا من المثقفين، يفكر ببطنه، وأصبح يشكل عقبة في وجه التنمية، يستجيب لغضب الشارع وهو لايعي بواعثه، ويسعى جاهدا أن يغلف مطالب الناس البسيطة بخطابات ينسجها من أيديولوجيته النائمة، ولقد نرى شباب الفيس بوك وتويتر أدق في التعبير عن آمال الشعب، وأكثر وعيا بالواقع وإدراكا له من هاؤلاء الذين غابوا عن الواقع وتفاعلاته وأصبح إدراكهم مشوها بدرجة كبيرة.

الثابت والمتحول: أيديولوجيا ثابتة وواقعٌ متغير

وبما أن البعض لم يدرك ذلك فأجدني مرغما على القول: إن الظروف اليوم لم تعد هي نفسها الظروف التي اجتاحت فيها الأيديولوجيات ربوع أوطاننا العربية في الستينات والسبعينات، فلقد تغير الواقع كثيرا وتعددت الأسئلة وتشعبت، ولم تعد كما كانت أسئلة جماهيرية عائمة تطرحها الأيديولوجيا على نفسها وتجيب، لتلقّن جماهير الأمة وتملي عليهم اعتقاداتهم، لقد بلغ الوعي حدا أدنى لدى السواد الأعظمِ من الشعب، وصار الشارعُ يطرح أسئلته وينتظر الإجابة، لقد انتهت خدعة الأيديولوجيا تلك العاطفة الجياشة المزورة للواقع، التي تظهر لعموم الجماهير أنها عصى سحرية تحوي جميع الحلول،فاستخدامنا الحاضر لمفهوم الأيديولوجية يجعلها لا تعدو أن تكون أداة وهمية لتحليل الأوهام، فالخطاب النقدي الذي تنتجه الطبقة السياسية اليوم هو نقدٌ مزيف واهم مرتبك، لا ينم عن إدراك للواقع ، ولا عن وضوح في الرؤية، بل هو سلسلة من الانتقادات الزائفة، تحاول إثارة الشغب الشبابي وتجييش العواطف الشبابية والشعبية عموما في صراعات أيديولوجية جانبية لا تمت للواقع ولا لهمومه بأية صلة، ولا أطلق الكلام هنا على عواهنه بل أعي ما أقصد، فإلى متى يبق الشباب، رهين نعارات: علمانيةٍ ساذجة تلقي بألف عام من تاريخ الأمة وتجاربها في القمامة بما في ذلك التاريخ من ثوابت تشكل ماهية أمتنا؛ وإسلاميةٍ متخلفة يلبس خطابها زيّا تاريخياً باليا يبدو صاحبه كأنما خرج من مسلسل تاريخي أو كأنما يحاول إعادة التاريخ للوراء جاهلا أو متجاهلا متغيرات التاريخ؛ وشيوعيةٍ مسطحة كأن صاحبها لايعيش في الواقع ولا يملك تلفازا؛ أفأبسط تحليل واعٍ للواقع يجعلنا نعي أن التشكيلات الوهمية يمينية ويسارية المطروحة على الشعب، هي تلبيس وإيهام، وهي من بين أسباب تجعلنا مانزال تائهين في دروب التعاسة، فالحقيقة أن الفرق اللاعبة أمام الشعب في سوح السياسة، تنقسم بغض النظر عن رؤاها وعقائدها وتموقعاتها الأيديولوجية، تنقسم إلى فريقين لاثالث لهما: "وطنيون أحرار" يعملون لصالح الوطن، و"مفسدون أشرار" يبيعون الوطن لمن يدفع أكثر، ولعلنا ونحن في جو ثوري نادر الحصول، يحصل في تاريخ الأمة مرة أو مرتين، لانستغشي ثيابنا ونجعل أصابعنا في آذاننا، بل ينبغي أن ننتهز اللحظة ونصغي لضمير الأمة الصادق.

فهناك قابليات تولد في بعض الأزمنة بفعل الحوادث الاستثنائية، وهناك أجيال تصنع التاريخ بتوجيه واقعي ظرفي يهيؤها للدور المهم الذي ستلعبه، ولعل الشباب يعي أثر البيئة في إثارة قدراته الكامنة، ويجاهد لنيل حقوقه دون الوقوع في شرك الأوهام التي ينصبها السياسيون في أذهاننا.

الخطاب الواقعي

والواقع اليومي الذي يعيشه جميع المواطنين، يغرس أسئلته في وجدان كل مواطن، ليحتم عليه أن يحس بمقدار الهوة التي تفصل بين ما يريده لمستقبله وما هو واقعه، وإذا قلنا إن السياسة هي ممارسة وإدارة الشأن العام من أجل إيجاد أجوبة لأكثر الأسئلة إلحاحا، فسنجد أن الممارسات التي تمارسها المعارضة الطامحة إلى الحكم في نواكشوط، لايتجلى فيها فيها شيء، بقدر ما يتجلى فيها صدق وتصميم أقطابها على المشاركة في الحكم أيا كان الثمن، وبلا أهداف محددة، ولا خطط منهجية، ورأس الحربة في معارضنا هم الثلة المؤدلجة، من قوميين وإسلاميين ويساريين وقذافيين وناصريين ...إلخ، وأنا هنا أقدم نصيحة لجميع المتأدلجين إلى تحديث معلوماتهم فقد تم تجاوز الأيديولوجية بنسختها القديمة، والأيديولوجي المحترم اليوم لايدعي إطلاقا أنه يملك الحل لمجرد انتمائه الأيدولوجي، فالحل بكل بساطة مرتبط بمدى تبنى هموم المواطن والسعي في وضع حلول لها وبلورتها في برامج تنموية وإصلاحات حقيقية، ودور الايديولوجيا لم يعد يتجاوز حقيقته العاطفية البسيطة، أما الخطاب الواقعي ذو الأساس المعرفي فجيب أن يزرع الأمل المفقود في قلوب الناس، وينشر السكينة بدل الاضطراب الذي يعم جميع القطاعات، وليس هناك مهدّئ جاهز، بل لابد من الشروع في خطوات واقعية، أولها صنع خطاب معرفي مقبول يلامس هموم المواطنين.

وجدير بنا أن نستوعب الدرس الراقي الذي قدمه الأتراك في حزب العدالة والتنمية، وأن نستوعب الدروس التي لقنها الشعب الكويتي للإسلاميين في 2009 حيث خسروا نصف المقاعد التي حصلوا عليها في الدورة السابقة، ومن المهم كذلك أن نستوعب الدرس المصري الذي أخر جميع القوى الأيديولوجية، وقدم للإسلاميين برلمانا لم يحلموا به، لا لسواد عيونهم، ولكن كفاء صبرهم ومنافحتهم للنظام الديكتاتوري، ولقد آن أن يفهم اللاعبون في الساحة السياسية لاسيما الإسلاميون أن ما يجب أن يحكم العلاقة بالمواطن هو المشروعية، وأما الشرعية فهي طبخات تطبخ بين الساسة ولاتهم المواطن البسيط بشكل كبير، وحين تتحدث المعارضة عن وجوب التحرك لإزالة النظام القائم وتبرر ذالك بطريقة وصول النظام القائم اليوم إلى الحكم والتشكيك في شرعيته، فإن ذلك الحديث لم ولن يستهوي المواطن، لأنه لايمس حياته اليومية، بينما لو تحدثت عن تنافر أنشطة الحكومة مع مقضيات تحقيق العدالة والمصلحة العامة، فإن المواطن حينها سيتجاوب بشكل ملموس مع هذا الخطاب.

وصدق من قال:

بيان: الوطن تؤذيه الخطابة

المعارك الوهمية الكذابة

ليس لفريقٍ كمال

في الجمع اكتمال.

المختار ولد الشيخ زيدان

السبت، 10 مارس 2012

المرأة والشباب والتعليم مفاتيح التنمية

المرأة والتعليم والشباب: ركائز التنمية السحرية
عجبي أن بلدا مثل بلدي تصل نسبة الشباب فيه إلى 72% من الساكنة، ما زال يصارع وحش الفقر، ويعشو في ليل الأمية الدامس، ويسير كالأعرج خلف ركاب الأمم، فكم كان جديرا به أن يدرك تلك القارة العجوز بمشيها الوئيد، بل ويتخطاها بما وهب من شعب فتي وإيمان قوي، لكنه غياب الوعي بقيمة هذه الطبقة لدى الساسة، فغبش الرؤية، وسوء فهم الواقع لدى الشباب أنفسهم، لا يجعل القائمين على الأمر في حل من هدر هذه الطاقة البشرية، التي لا تقل قيمة عن الوقود النووي الذي بنيت به الدول الصناعية بعد الحرب العالمية الثانية، فلن تقوم لإفريقيا والعالم الثالث أجمع قائمة، ما لم يجعل من الشباب الركيزة الأساسية لأية خطة تنموية.
ولا يحزنني هنا أمرُ الشباب المتعلم، فالعالم في سباق إلى كل من أفلت منهم من قيد الجهل، فهذا يغريه بتوفير بيئة للبحث العلمي، وذاك يغريه بمنح مالية تشفع بجنسية ذات قيمة على الصعيد الدولي، وتبرز الفرانكفونية والآنكلوسكسونية مخالبهما لاقتلاع كل عقل شاب من بلده وزرعه في بلدانهم العاملة الناصبة بعد عملية تبيئة بسيطة.
ولكن ما يحزن ويحز في النفس هو عصب الحياة وطاقتها الذي نراه يتبخر كالدخان في سماء بلاد كأنها تحرقه , أعني الشباب الحيَّ اليقظَ أو الصالحَ للحياة الصالحَ لليقظة شباب لم تحبسه عتبة الأمية بل تخطاها بخطى على درب الحياة والبحث عن لقمة العيش , أكمل بعضه حتى تعليمه الجامعي , لكن ما حيلته وقد ضرب الواقع حوله سورا من الأزمات , وزرع دروبه شوكا ؟
أقول ونحن اليوم على عتبات حلم جديد , لن نهزم الجهل ما لم تضربه يد الشباب القوية، ولن نقوم من المرض مالم تعد روح الشباب الفتية، ولن تتوفر لقمة العيش الكريم مالم تسع فيها أيد شبابية نظيفة .
لا تقولوا يا مرشيحينا وقد حملتكم جهودنا حتى عقدتم ووقعتم بعرقنا عقد خدمة الأمة بلسان حالكم : سيُعلن النصر وأنتم ستنسون
فلولا الأمل الكبير فيكم لما رأيتم ابتسامة الشعب الساذجة حين يراكم، فهلا كافأتموه بخطوات يراها كبيرة وترونها ـ سيادتكم ـ بسيطة :
1 ـ أن تفتح مراكز للتكوين في اللغات والمعلوماتية والأعمال المهنية، تكون ذات مستوى، لا مراكز مسرحية قد خبرناها من قبل.
2 ـ أن يفرض على الشركات الدولية أحرى الوطنية أن تسعى لتشغيل الشباب ذوي الاختصاصات، وأن تمنح الأولوية لشبابنا قبل جلب عمالة أجنبية، والتذرع بعدم ملاءمة التكوينات التي تلقاها الشباب لسوق العمل لامعنى له، فمن حقهم أن يتلقوا تكوينات تهيئهم لشغل المناصب الحيوية في سوق العمل، فهم لم يأتوا من فضاء، ونحن هنا نتحدث عن شباب قلة، وشركات ذات مقدرات ضخمة عابرة للقارات، أتت تنهش خيرات وطنهم، ولنترك السبل الملتوية في منح التراخيص، فلو كانت في بلادنا لجنة وطنية مكلفة بدراسة ملفات الشركات الخارجية،ومنحت مايلزم من موارد مالية واستقلالية سياسية، لكانت واثقة من نفسها ولا تتحدث لغة الرشى، لكانت هي وحدها التي تستطيع فهم قدرات الشركات التشغيلية، وصياغة عقود استثمارية منصفة مع الأطراف الخارجية، ولن يستقيم هذا الأمر حتى تنشأ لجنة خاصة تتكون من خبراء قانونيين ومستشاريين فنيين تسعى لمتابعة مشروع تشغيل الشباب.
3 ـ توفير تعليم يمكن الطلاب الشباب من الاندماج في سوق العمل، وذلك بتحديث معارف الأساتذة الأكفاء، وتوفير المستلزمات المادية لهم كأفراد، وللمؤسسات التعليمية والتكوينية في بلادنا، ليعملوا في سلك التعليم الثانوي والعالي حتى نخلق طبقة قادرة على حمل عبء تعليم أجيال المستقبل ما تحتاجه أمتنا، وحتى لايسقط صرح التعليم المتهاوي في بلادنا .
4 ـ إنشاء مركز قومي للترجمة والبحث العلمي يكون القائمون عليه من أبنائنا في الخارج ممن أثبتوا جدارتهم العلمية فتبنتهم دول أخرى، ويكون وقوده زكاة أعمالهم العلمية فنحن أولى بهم منها .
5 ـ السعي إلى إعطاء قيمة للمرأة الشابة المتعلمة فالمرأة هي نصف المجتمع وهي القائمة على تربية نصفه الآخر، وذلك من خلال توفير العمل وأوقاته وبيئته الملائمة لطبيعتها الخاصة، لا أن نلزمها بالاسترجال، ونطلقها في حقل غير حقلها وبيئة لاتناسبها، وأرى أن نوجه المرأة أكثر نحو ميادينها المناسبة لها وهي الطب والتمريض والتعليم والأدب والصحافة، ولا يعني هذا أن نغلق الباب دون طموحات بعض الفتيات الموهوبات في ميادين أخرى كالهندسة والطيران، ولكن أرى أن يتم دعم الاتجاه الذي تراه الفتيات مناسبا لهن أكثر، حتى في الدول المتقدمة التي فتحت للمرأة فيها كما الرجل كل دروب الحياة، فهي تختار الميادين السالف ذكرها أكثر من غيرها، وتشغيل المرأة الذي نتحدث عنه منذ سنين هو كذبة كبرى، فحين تلزم المرأة بنفس نظام الرجل ويدفع لها مثله أو أقل منه، فنحن لانشجع المرأة على العمل، بل نستغلها، ونسخدمها.
وفي الختام، نحن في غنى عن صرف أموالنا وجهودنا، في السياسة، والإعلام الفاشل، والأدوية الفاسدة، والأغذية المزورة، فلنفتح باب التعليم واسعا على مصراعيه لدعم الأسخياء من رجالنا، ولنعد فتح باب الأوقاف التي ورثناها من ثقافتنا، ثم نسيناها فجأة، كأنما لم نعد نحن نحن، التعليم هو البوابة لدخول التنمية، وفي التعليم تكمن المعجزة، والتعليم هو العصا السحرية لإصلاح المجتمع، فخلف تردي التعليم يكمن الفساد، وخلف تردي التعليم يكمن الجهل، وخلف تردي التعليم يتستر الجوع والفقر، ومن خلف تردي التعليم يأتي العابثون بأمننا، ولا شك أننا إذا أصلحنا التعليم نكون قد أمِنا الفساد وطردنا الجهل ونسينا الجوع وضربنا الفقر في عقر داره، وأخذنا على أيدي الساعيين لتخريب بلادنا، وبالتالي سيتماسك مجتمعنا وستتضح معالم هويتنا وتزدهر أمتنا ازدهارا تستحقه، وأنا هنا لا أدعي أن الأمر سهل، ولكن أزعم أنه يستحق العناء.
وإلى ذلك الحلم الجميل نبعث أمنياتنا ورؤانا حبرا على ورق رجاء أن نراها يوما قنديلا بيد فارس على فرس.

الأحد، 4 مارس 2012

على هامش اتفاقية الصيد بين بلادنا والصين


بادئ ذي بدء أعترف لحملة القلم أنني لست بكاتب وأعتذر, ولكنّ رأيا صداه يتردد علي كلما اطلعت على صفحات صحفنا الوطنية هو ما دفعني لكتابة هذه السطور، لتساهم في إثراء الساحة المتخمة بالآراء المتشابهة، فهي ليست كتابة لمجرد الكتابة، فأنا ليس لدي عمود ثابت في صحيفة ألزم بملئه كل يوم بالغث والسمين ، ولكنني من حين لآخر ربما سكبت يراع القلم حينما أدرك شاردة فأنتظر لعل أحد الكتاب المتميزين يتطرق لها فأسجل على هامش السجالات الجارية ملاحظتي وغالبا ما أجد من يوفق لإيجاد الحلقة المفقودة قبل أن أضطر للنشر, لكن لكل قاعدة استثناء, والاستثناء هنا هو أنني أضطر للنشر حين لا يوجد من يعبر عني, واليوم هاهي قضية اتفاقية الصيد الموريتانية الصينية تستكتبني بعد أن مللت الانتظار, وبعد أن أقامت معارضتنا البائسة الدنيا ولم تقعدها , وبعد أن خطب فينا باقل حكومتنا العاجزة فقنّع ولم يُقنع وافتضح ولم يَفضح.


ولولا موقف منسقية شباب 25 فبراير الذي انحاز للمعارضة في موقفها الأخيرة لما كتبت, لأنني أرى عُري المعارضة أوضح من عجز الحكومة , ولكن أثارني موقف الشباب أمام البرلمان ويؤملون فيه موقفا وطنيا ويستجدون منه وطنية لا يملكها أكثر نوابه للأسف, بل لا يعرفها ولا يعي أبسط أبجدياتها إلا القليل من نوابنا المحترمين , لكن أملي في إخوتي الشباب الذين أؤمن أن الوطنية تملء جوانحهم أو لاو توجد, الذين أبصر في عينهم وأتحسس في كلماتهم مرارة الصبر الذي بدأ ينفد, والذين رأيتهم يتململون من واقع وطنهم تململ الحبلى توشك أن تلد, إن فينا نحن الشباب خيرا وبأسا لا يدركه ربما الكثير منا, لكن ذئاب السياسة يدركون أن قوة الغد هي الشباب , وموجة الاصلاح هي الشباب فكل منهم يسابق ليركبها مخافة أن تعلوه فهي غالبة لامحالة كيد الفساد وكاسرة قيد العجز, لذا سابق رئيس الجمهورية ليغطي عجزه وحكومته عن تقديم البلد أي خطوة للأمام بإنشاء حزب جديد عنوانه العريض هو الشباب, وسابق المعارضة لتغطي عورة سلبيتها بالوقوف اللامشروط مع تحركات الشباب, وكأن الشباب يحتاج دعمها , بل إن تحركات الشباب ما فت في عضدها إلا السباق السياسي لاحتوائها من الطرفين السياسيين.
لكن هذه التحيزات والانحيازيات ليست لهموم الشباب ولا لصالحه, وإنما مسارعة من المفسدين والعاجزين لركوب موجة الارادة الشبابية التي بدأت تتبلور وتشق الطريق إلى المطالبة بالعدالة والإصلاح والتنمية, ومن هذا المنطلق فإنني أنصح إخوتي قادة وناشطي شباب 25 فبراير , أن لا تغريهم خطابات ولا تعاطف الطرفين وأن يصبو جهودهم على توحيد ورص صفوف الشباب لينطلقوا في اتجاه مطالبهم المشروعة والشرعية.
ولعل آخر موقف غررت فيه المعارضة بالشباب هو قضية اتفاقية الصيد, فانصبت أقلام الشباب بلا وعي تلعن تلك الاتفاقية وتصبب عرقهم في الوقفات ضدها, وصدحت حناجرهم منادية لا لاتفاقية الصيد, وهنا أود توضيح أمور بسيطة:
أولا: المصادر والخيرات التي ترقد عليها ترابنا لا نتمتع بالسيادة المطلقة عليها, فهي وإن كانت ملكا للدولة فإن مساطير العولمة تجعل السيادة عليها بحدود تنظيم استغلالها والسعي للحصول على أكبر مردود منها ورعايتها من التلف , إلا أن للعالم حق مشاركته فيها بقدر ما يبذل الشريك فيها من ثمن وجهد, ولنا حق اختيار من يشاركنا طعامنا وليس لنا حق الاستئثار بها وترك الآخرين يموتون جوعا, وهناك تيار فقهي في الفقه الدستوري يرى أنه السيادة التي تحظى بها كل دولة ليست امتيازا مطلقا بل إنها مرهونة بسعيها للذود عن مصالح أبنائها والسهر على رفاهيتهم فحين تقصر في ذلك تتعرض للضغوط الخارجية , وبغض النظر عن صواب هذا الرأي أو خطئه , إلا أنه هو الغالب والحاكم.
ثانيا: الصيد ككثير من القطاعات المتخلفة في وطننا , كان لابد أن يتطور بعد أكثر من عقدين من الروتين , ومن لا يطور نفسه لن تطوره الصين ولا اليابان , والعالم يتطور يوميا ولن ينتظر أغبياء رجال أعمالنا حتى يطوروا أنفسهم فهؤلاء لا يحسنون إلا "الصرّ واللمّ " , أما الصينيين فسعوا لتطوير صناعاتها السمكية ورفع مداخيلها , ولعلنا نحن على هامش مائدة الصينيين نأكل من فضلات أرباحهم فتدخل أسواقنا عُلب السردين والتُوه المصنعة على أرضنا على الأقل, فقد سئمنا أن نوصف بأننا من أغلى بلدان العالم بالأسماك ثم نأكل حين نأكل أسماكا معلبة آتية من بلدان فقيرة بالسمك مقارنة معنا , فهذا الأمر مخزي ومشعر بالعجز والغلبة , ثم إن ما حل بقطاع الصيد سيحل بكثير من المجالات الحيوية في بلادنا , فكيف في بلد كبلدنا يحوي من الابل والبقر مايقارب عدد رؤوس مواطنيه , ويستيقظ فيه المواطن صباحا ولا يجد في إفطاره كأس لبن لأن نصف الليتر منه يباع بسعر خيالي , وكذلك البيض والدجاج الذي تظاهر مربوه أمام القصر الرئاسي آملين لجهلهم أن تمنع الدولة أي تربية حديثة للدجاج لتقصر تربية الدجاج عليهم هم البدو المغفلين , إن عقارب الساعة تسير والوقت لا يرحم والدولة إذا لم تتقدم فهي تتأخر, فأساليب التجارة والصناعة الوطنية ومتهالكة ولا تقف أمام أي منافسة ومصيرها مصير الأرز الوطني الذي لم يصبر على مسابقة ذلك الأرز المكسر الرديء الآتي من سهول تايلاند.
ثالثا: إن ما يجب أن ندافع عنه ليس نصيب رجال أعمال موريتانيين من كعكة المحيط المنهوب, ولكن ندافع عن الوطن عن موريتانيا عن خفر سواحلها الذين لايستطيعون أن يقفوا للصين ولا حتى للسنيغال بالمرصاد, رواتب متدنية وبيئة عمل مهملة وانعدام شبه تام في أدوات المراقبة والمتابعة البحرية, فهل نتوقع من تلك المراكب المهترئة كزورق أبي بكر بن عامر أن يسهر على حماية مياهنا الإقليمية المترامية وأن يفتش أساطيل العالم الكبرى ؟ فهما يكون نوع الاتفاقية التي تربطنا بهذا البلد أو ذاك هناك أولويات لضبط أبسط مظاهر السيادة الوطنية على مياهنا , ولو علمت الصين أن لدينا أساطيل تجوب عرض المحيط وطوله يعلوها ربان يظهر الشبع على عينيه قبل أن يظهر على جسمه لخشيتنا ولا التزمت باتفاقياتها المبرمة معنا, ولكن دولة ترسوا في مياهها سفينة حربية دون أن تعلم (هذا ما حدث قبل أشهر حين رست سفينة مغربية عسكرية دون علم خفر سواحلنا النائمين أو الجائعين) حري أن لا ترى أطنانا تنهب من السمك, وحري أن لا تبرم اتفاقا هي لا تستطيع التأكد من تطبيقه متكلة على حسن نية الشركاء الدوليين الجشعين.
رابعا: يجب أن نتذكر أن قطاع الصيد في بلادنا كان مهملا حتى نهاية السبعينات حيث أصدرت قوانين لتنظيمه وتحصيصه , وتلك القوانين على علاتها تركت هامشا لرجال الأعمال الموريتانيين ليدخلوا سوق الصيد, وتمتع رجال الأعمال أولائك على قلتهم بمداخيل وأرباح خرافية , دون جهد يذكر , فجل تلك المداخيل لم تكن ناتجة عن أنشطة صيدية حقيقية , وإنما كانت ناتجة عن أعمال تشبه السمسرة, وحصة الصيد التي وكلت لأيدي رجال الاعمال الموريتانيين بدأت قليلة وتناقصت مع الايام ولم تتطور تطورا يذكر , وهذا ما نتج عنه أن السوق الوطنية ظلت فقيرة بالأسماك ومرتفعة الاسعار , و ليس ذلك عائدا لنهب اليابانيين والصينين والأوربيين في المقام الاول بل عائد لعقلية رجال الاعمال الجشعين الكسالى الذين لا ينظر أحدهم (هذا إذا نظر أو فكر!) إلى أبعد من قدميه , فهم كما عودونا لم يفكروا بالتوجه للسوق المحلية لأنها ببساطة كانت تحتاج لجهد للتسويق ولأنها كانت أقل أرباحا, بينما ظلت الاسواق الآسيوية والأوربية تفتح لهم ذراعيها, دون أن يفكر أحدهم في توجيه أرباحه الخرافية لتطوير أعماله بإنشاء مصانع وأساطيل بحرية وطنية منافسة , مما كان سيعود عليهم بالربح ويمس حياة المواطنين البؤساء ويساهم في خلق سوق تستقطب بعض الشباب المكونين العاطلين عن العمل المقدر عددهم بالآلاف , بينما كان أحدهم يملأ بطنه ويتجشأ , ولا يلتفت إلى موائد الشعب الفارغة من جميع أنواع السمك إلا الرديء الغالي, دارت الايام دورتها ولم يتطور هؤلاء الجشعون بل تطور الصينيون وطوروا أساليب نهبهم وتردينا نحن وتردت سياساتنا حتى أنجبت النظام القائم الآن.
هكذا إذا, فلم تيقظ حس الوطنية في المعارضة وجعلت من هذه الاتفاقية فضيحة القرن؟
إن المعارضة مستعدة لتركب أي موجة ضد النظام , ثم إنني مؤمن بحسن نية النظام في هذه الاتفاقية وموقن أنه ليس من خطط لها ولا فاوض لتأخذ شكلها الحالي, بل خطط لها الصينيون في لحظة فراغ سياسي ووطني في رأس دولتنا موريتانيا الحبيبة .
و النظام القائم اليوم لا يدفع الذباب عن فمه , ولا تحوي تشكيلته التي يلعب بها في أرض السياسة اليوم أي رجل يذكر, فألف من سياسييه بواحد , وما تخبطه في إدارة جميع الملفات المطروحة إلا دليل دامغ على أن الارتجالية باتت هي السمة الأبرز في لمساته السياسية , فمن يحاكم يحاكم بأمر سياسي ومن يوقف ويفتش يفتش بأوامر سياسية , ووزراءه على كبر أجسامهم وعلو شهادات البعض منهم ما هم إلا كالخشب المسندة إلا أنها تصدر أزيزا كأزيز الباب الصدئ , وما فضيحة وزير التعليم في مساءلته الأخيرة في البرلمان منا ببعيد, كأني بكل وزير يغدو إلى مكتبه بكور الطير ويبحث عن قائمة أعماله اليومية "List to do" التي تأتي من ديوان رئيس الجمهورية الذي يرأسه رئيس الجامعة الأسبق, إنه عمل رديء ويوم فارغ ذاك الذي يقضيه كل وزير في وزارته, فلو أنهم بقوا في منازلهم لارتاح الموريتانيون ولما وجد الصينيون من يوقع لهم على سرقاتهم ونهبهم اللامحدود.
فلا مسوغ إذا ولا مبرر للشباب أن يتخلوا عن رفع راية الخيار الثالث , وينحازوا في صراعات داخلية بين طرفي النظام مولاته ومعارضته فهؤلاء قوم شابت رؤوسهم في طلب السلطة وبكوا عليها بكاء قيس على ليلاه ولو أنهم انصرفوا إلى خدمة الشعب بما يملكون من قدرات وعقول لكان أجدر بهم وأحسن , ولاكن لا يفقهون حديثا. فالخطابات السياسية الجوفاء (التي تركن إليها منسقية المعارضة) والمناصحة والمناطحة(التي يتدحرج بينها تواصل) والشحن والعنصري وإثارة المشاكل (التي مرد عليها النظام البائس) لا تطعم خبزا ولا توقد نارا , والشعب أصبح بركانا يغلي , والشباب يبحث عن مستقبله بنفسه , والمنحاز لخيار الشباب يتبرأ من غيره , ولا مكان لمن يؤخر رجلا ويقدم أخرى فساعة الحسم قد حانت , والشباب يطمح للتغيير وقد يفرض نفسه كخيار ثالث لا أيديولوجي و لا قبلي ولا جهوي ولكنه خيار وطني يريد إحقاق الحق, ولا يستعين بمعارضة ولا يستند إلى مولاة لأنه أقوى أن يكون عاجزا وأقدم من أن يكون .

خائرا

السبت 11 حزيران (يونيو) 2011

http://www.aqlame.com/article4537.html
المختار ولد الشيخ

الأربعاء، 29 فبراير 2012

صناعة الحياة


بكيتُ بين يديْ قابلتي ولم أدرك آنذاك من الحقائق إلا القليل، ولكنني اليوم وقد علوت هضبة من عقدين من الدهر، وانكشفت عي عيني غشاوة الصبا، أقول اليوم وأنا مسند ظهري إلى جذع شجرة الإدراك والوعي المورقة والتي تورق كل يوم وتتبرعم أغصانها المعرفية كل يوم، إن الحياة صناعة وواقع يحول إلى تاريخ بعدُ، فمن أحسن صناعة واقعه فقد كتب سطرا من سطور التاريخ، غير أن الناس على أضراب، فمنهم من يكتب على هامش ورقة كان النص فيها لغيره، ومنهم من يرى الهامش ممتلئا، فيكسر قلمه ويكتم ألمه، إلا أن الأذكياء المبدعين يديرون صفحات التاريخ فيمنحون أنفسهم حق كتابة النص، ثم يأتي بعدهم من يرى نقصا فيكمله على الهامش، وهكذا دواليك.

ومادامت الحياة صناعة فماهي موادها الخام؟ وكيف تركب؟

لاشك أن المادة الأساسية لصناعة التاريخ هي الإنسان، فلا يوجد إنجاز تاريخي لم يصنعه الإنسان، وحين أقول الإنسان فلست أعني الإنسان الفيزيائي الذي اعتد عليه الشيوعيون -العمال- في ثورتهم لتحرير البشرية، فما كادت تقوم حتى قعدت، ولا أقصد الجسد الشهواني الذي تسيره جزرة، ولا العقل المطلق الجامح وحماقاته الذي بنت عليه القارة العجوز والعم سام حضارتهم، فما اخضرت حتى اصفرت، إنني أعني أعمق من تلك وهذه، أعني المزاوجة بين المتناقضات كل بنسبة، وهذا مرام صعب، لكنه هدف سام.

ولقد تأملت الحياة فما أبصرت بها ظلما يذكر ، ولا أنكر أنني لم أفهمها بعدُ، فهي على درجة عالية من التعقيد، وبها من العلائق والتفاعلات المتداخلة شيء كثير، لكنني لم أحتج إلى كبير نظر وتأمل لتتهاوي في ذهني نظرية أبي الشيوعية أستالين: المختصرة في قوله (إن الحروب ناشئة عن الفروق بين طبقات المجتمع وسنسعى لردم الهوة بينها لننعم بعالم أفضل) فحاول هو وأتباعه تضميد جروح البشرية فأوغلوا جرحا في جسمها أشد وأنكى، وطافت بي حينئذ الآية الكريمة أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )32( سورة الزخرف، ورأيت ما يجمعون من آراء فاسدة وما يجمعون من قوى اقتصادية وصناعية مبهرة، ورأيت ما يجمعون من إنجازات وقتية لا يكادون يغادرونها حتى يخر بنيانها على رؤوسهم، فعلمت أن الله ما أراد من الإنسان أن يكتب التاريخ هكذا، ولقد رأيت نتائج أن نطلق للعقل العنان فينتج ثمرا علميا طيبا، ولكني لما رأيت نتائج إطلاق العنان للعقل في الأخلاقيات والمثل رأيت عجبا، إن الإنسان ليصب على أخيه الإنسان نارا، وليحرقه حيا لا لشيء إلا أنه ود أن يعيش، لا لشيء إلا لأن الإنسان القوي يريد أن يشرب خمرا ويرقص طيلة ليله، ولا يريد أن يزعجه الإنسان الشرقي الضعيف بمضغه للخبز الحافي، وعلمت أن الحرية تجلب من الفوائد للمجتمع ما لا يحصى ولعل أدنى فوائدها العيش بكرامة لكل فرد، ولكني رأيت التعجرف والكبرياء حين يعميان أمما ظلت إلى عهد قريب تعيش على هامش التاريخ فتأخذ أمما هي من صنعت التاريخ وهي من انحنت لتصعد تلك الأمم القصيرة لجني ثمار التفكير البشري فكافأتها بأن نحرتها، وعلمت أن العقل مع أنه روح من الله ، إلا أن الإنسان حين يمتطي صهوة عقله وتركض به بين مروج التفكير وسهوله لا يلبث أن تغره سرعة العقل وقدراته الخارجة، فيداخله شعور بالربوبية لنفسه ولغيره، فما أجمل أن يسرح به الإنسان في مجالات العلم والفكر عالما أن له حمى لا يتعداه كالرؤية بالعين، إلا كذب على صاحبه ، واختلت مقاييسه، وقيدت عقلي بقوله تعالى أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 14 سورة الملك. وعرفت أني خير ممن قيد عقله بأمعائه، أو من أطلق عقله لشهواته تسوقه سوق البعير.

وأسلمت وجهي لله رب العالمين، لا شكريك له ولا ند ولا صاحبة ولا لد، سبحانه ما أعلمه وما أعدله وما أحكمه، خلق فسوى، وأغنى وأقنى، قادر على أن يحيي الموتى، أفلا يحيي مجمتعا كمجتمعنا من مواته؟ بلى، وإنا لنرجو ذلك.
ولنصنع الحياة انطلاقا من ركن الله القويم، وسيرا على صراطه المستقيم، وهنا أنصح زملائي الشباب بالعودة لكتاب الكاتب العراقي الكبير أحمد الراشد: صناعة الحياة فهو كتاب خفيف ومفيد جدا.
وإلى لقاء.

مقدمة


تميّز الإنسانُ عن سائر الحيوانات بكونه الحيوانَ النّاطقَ الكاتبَ المفكرَ الوحيد، إلا أن هذه الخاصية الأخيرة لم تشمل الجنس البشري كله , فمع أن الإنسان كل إنسان يملك أداة للتفكير هي العقل، إلا أنه في الغالب لا يفكر بها أو يفكر بها تفكيرا أعوج غير مستقيم، وإلا فمن أين دخل على أمتنا هذا البلاء والتقهقر في جميع ميادين الحياة؟ إنه إلغاء دور العقل في الدراسة والتحليل والحكم، وإحلال العاطفة والهوى محلَّه، ومن هنا فإننا نحاول في هذه المدونة أن نقدم آراء حرة رصينة 
عاقلة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وسنحاول قدر الإمكان الافادة من كل ما نكتبُ.

ولسنا هنا ندعي العصمة ولا نقاربها، فلن تحتاج أخي القارئ ، أختي القارئة لمجهر لرؤية هفوات اجترحتها ولن تدعوك الضرورة للتموقع في زواية استراتيجية  لتكتشف أمرا قصرت فيه , ولكن إذا قارنت ذلك بسويعات من السهر مسروقة من أوقات مبعثرة لمواطن بسيط يحمل في قلبه همّ الحياة الرهيب، وفي ضميره عبئا ثقافيا ثقيلا، لوجدت أن التقصير والخطأ أمر، لا أقول ذلك تبريرا للخطإ، بل اعتذارا عنه إن وجد، وطلبا لسد النقص، إنك عزيزي(ة) القارئ (ة) مالم تضطلع بمسؤولية الكتابة والنشر فسوف لن تدرك صعوبة وتعقيد البوح بالرأي ، فهو أمر ثقيل ، وإن كنت ترى أن مانقوم به ليس إلا لعبا ولهوا ولكنك إن خضت عباب ذلك البحر وعشت يوما من يوميات مواطن عامل يغالب تصاريف الحياة ويحاول أن لا تغلبه على سويعات الثقافة المسروقة، لأدركت ...المهمة السيزيفية التي نذرت لها نفسي وسترجع قائلا: لو كنت أعلم أن البحر عميق جدا ما أبحرت...

والله من وراء القصد

والله من وراء القصد