الثلاثاء، 3 مايو 2016

التعديل الدستوري الوشيك: ما هو الدافع الحقيقي؟


عبر رئيس الجمهورية اليوم في النعمة، عن نيته وفريقه الحاكم اقتراح تعديل دستوري ذي طابع إداري وطرحه للتصويت، لكن اللافت في الأمر هو تبرؤ الرئيس من أي مقترح تعديل آخر قد يطرح للتصويت، قائلا إنه هو لن يكون عقبة في إرساء الديمقراطية في البلد، وكأنه يستبق إعلان البعض دعوتهم له لفتح المأموريات الرئاسية التي تعهد وأقسم على صيانتها.
قول الرئيس أنه لن يكون بشخصه لن يكون عقبة أمام إرساء الديمقراطية في البلاد ، ليس هو ماكان يتوقع من أحد في موقع رئيس الجمهورية، الذي كان ينبغي أن يكون ضامنا لصيانة الدستور والحفاظ عليه أما أن يكتفي أن لايكون عقبة فماذا يفهم الطفال حين يقول ربّ أسرة أنه لن يكون عقبة في سبيل الحفاظ على أمنها، إنها بالأحرى استقالة من دوره في حماية الأمن للأسرة، بدل القيام بأعباء تلك المسؤولية، إن الرئيس في بلد من العالم الثالث ، لايملك المواطن فيه استقلالية عن الدولة، بإمكانه تحريك ثلث الشعب على الأقل بشطر كلمة منه أو بنية مبيتة، وكان الأحرى به أن يتعهد بالحفاظ على الدستور وصيانة ماتعهد بحمايته إبان انتخابه، بدل التعهد الباهت بأن لايكون عقبة في اتجاه ترسيخ الديمقراطية.
وفي وضعية كهذه التي تعيشها بلادنا اليوم، لم يكن تعديل الدستور أمرا واردا ولا مطلوبا لأي سبب كان، إلا أن يكون التعديل لحاجة في نفس يعقوب، أما ما يهم المواطن البسيط فهو إرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية، وهما أمران مترابطان في عصرنا، فالحاكم الديكتاتوري هو وحده من يخاف تسليم الحكم لغيره، أما الحاكم الديمقراطي فلا يخاف ممن يعقبه في سدة الحكم لأنه لا شيء لديه يخفيه أو يخيفه.
ثم إن هذا المقترح لو كان هو المحرك الحقيقي للدعوة لتعديل الدستور لكان الأولى به أن يكون محل نقاش موسع بين النخب السياسية مواليها ومعارضها حتى يُشبع نقاشاً وتمحيصاً، ثم يقدم كمقترح لتعديل الدستور، أما أن يولد ذات ليلة في رأس الرئيس ثم يطرح في مهرجان سياسي، فلا يصدق عاقل أنه الدافع الحقيقي لطرح الدستور على التصويت، إلا من ابتلي بسذاجة وبساطة مهلكة.
في الأخير لاننسى الاعتراف بالجميل لهذا الرئيس الذي لعب بموريتانيا دورا خارجيا ربما أكبر من حجمها الدبلوماسي، كرئاسة الاتحاد الإفريقي، ولكن استدعاء الرؤساء العرب لعقد القمة العربية في انوكشوط هو قرار جريء نرجو أن يكون بداية التفات العرب لهذا القطر الذي طالما نسوه او تناسوه، مع أنه كان ذخرا وسندا للأمة العربية قديما وحديثا، ونرجو أن يكون بادرة خير على بلادنا لتعيد ربط وشائج الأخوة المصرمة منذ أمد بعيد.
03/05/2016 نواكشوط
مختار زيدان.

الأحد، 26 يناير 2014

المقال المسيء والفعال المسيئة

المقال المسيء والفعال المسيئة
أثبت الشعب الموريتاني فشله في فهم أزمة مابات يعرف بالمقال المسيء، أو هكذا أرى الصورة على الأقل من جانبي، ولعل من أتيحت له الفرصة لمتابعة الجو الملبد بالهموم والنكبات التي صدر فيه المقال وماتبعه من ردود فعل باهتة لاتناسب الحدث ولاتتجه لاتجاه معين، سيدرك بمرارة ما أقصده، لقد كنت من أوائل من قرءوا ذلك المقال المشؤوم علي صفحات موقع أقلام، وصدمت وأنا أقرأ محتواه، ولكني لم أشأ أن أعلق عليه لعظم الصدمة التي انتابتني، وراقبت الحدث عن بعد، وخرجت باستنتاج سيء عن ضعف هذا الشعب المسالم المسكين وخوره.
لقد هزم هذا الشعب وغلب على أمره منذ سنين، وتعلم فنون المداهنة والمراوغة حتى أصبحت في يوميات حياته: أل مانافق ماوافق، ولماذا يوافق أصلا الله تعالى أعلم، فأُبرم لهذه الأمة أمر فساد وضلال يذل فيه أهل الحق، ويعز فيه أهل الباطل، ثم يأتي متزلف منافق ليتحدث عن أن فخامة الرئيس هبة من الله، أي هبة هذي التي تتحدث عنها؟
ولست هنا في معرض الرد على المقال المسيء ولا دفاعا عن رسول الله فداه أبي وأمي، فلقد رد عنه من هو خير مني ومن هو أهل لذلك، لكنني هنا أحاول مقاربة الموضوع من زاويا عدة لم يتطرق لها أحد بعد، فهناك ثلاث ملاحظات أود تبيانها: أولاها أننا كمجتع ظالم غافل نتقاسم مع النظام الحاكم الراعي للمنحرفين المسكت لأهل الحق المعتدلين، تحمّل جرم هذا النوع من الكتابات ، ثانيتها: أن هذه الهجمة ليست ظلما لمقام النبي الأسمى صلى الله عليه وسلم بقدر ما هي ظلم منا لأنفسنا، وثالثتها: أن الظلم قد عم في هذه البلاد حتى لم يعد لشريحة من المجتمع منه نصيب يخصها عن شريحة.
إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ
انغراس الحربائية الانهزامية في أعماق وجداننا هي ماجعلت كل مارق (هنتات) يتطاول على مجتمعنا ويسبه عن بكرة أبيه، ولايجد من يقول له كلمة حق ولو كان ثمنها مجرد إقالة أو إقصاء من صفقات التغابن للاستثراء الفاحش، وصلت بنا المهانة أن صار  اللص المارق يسير – كما حدثني ثقات - قطاعا من نواكشوط بعساكره ومدنييه ويسب  أمهاتهم حين يشاء، ولانحرك حرفا في ضمائرنا ولاقلوبنا، وأزعم أن الشعوب التي تحيط بنا لو أرادت اتخاذ عبيد لما فكرت في غير شعبنا الذي صلبته المآسي وعلمته الصبر على الويلات والضيم والبؤس.
لم لم نتحدث أبدا حول المقال المسيء للعقيدة في أحد ثوابتها(الحج) المنشور في موقع كريدم؟
لم لم نتحدث أبدا حول خطابات وبيانات منظمة رابطة معيلات الأسر التي تسب الدين وثوابته منذ سنين؟
لم لم نحرك ساكنا أمام من دعوا جهارا نهارا في تلفزيوناتنا المحلية لتقطيع أوصال البلاد؟
لم لم نتحدث حديثا عميقا حول ظاهرة بيرام ذلك الحقوقي المزعوم؟ ولم نقم بردعه مقابل مايقوم به من إفساد في المجتمع وبث للنعارات فيه ليل نهار؟
قبول الظلم والضيم واستشراء الظلم في هذا البلد بلغ مبلغا عظيما لايوصف، فالكل في هذه البلاد ظالم مظلوم غنيا كان أو فقيرا، متعلما أو جاهلا، كبيرا أو صغبرا، فكأنهم في مهرجان للجهل والظلم، ومامن مواطن موريتاني إلا وعاش أو يعيش في مأساة من هذه المآسي اليومية، فالجندي في الشارع يظلم المواطنين، واللص يسرقهم، والطبيب يؤذيهم، والمعلم يغشهم، وحتى البواب البسيط يهينهم لأبسط الأسباب، وهم صابرون محتسبون ينتظرون فرصتهم ليظلموا هم بدورهم غيرهم، ولقد زرت مطعما في وسط نواكشوط البائسة فوجدت مطعما يقدم لزبنائه العشاء على فرش مهترئة بالية ولديه مغسل ملئ قذارة هو أول مايناوله لزبنائه، فسألت صاحب المطعم ألديك مكان أنظف من هذا فأجابني بصوته الأجش: خالك الا ذا ذا اثرو ماله؟ اللعنة على بطن تجلس صاحبها على فراش قذر كهذا ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكل
وهنا أسأل نفسي وأسأل مواطني المساكين: أما تحسون بالفعل المسيء الذي تمارسونه ويمارس عليكم ليل نهار؟ ألا تفكرون في رسول الله إلا حين تأكلون باسمه الخبز، ألا تتساءلون باسم عدله ونصرته أين تذهب خيرات أرضكم؟ ألا يأكلكم البعوض وتأكلونه بينما تنهب خيراتكم؟ إني لأعجب لمؤمن يرا المنكر ليل نهار فلا ينبس ببت شفة ثم يهب فجأة زاعما أنه ينصر المصطفى صلى الله عليه وسلم...
ألا فابقوا في نومكم غافلين سيغني الله عنكم نبيه، ولا والله لاتحصلون على شرف نصرته وأنتم المضيعون لشريعته الضالون عن طريقه، أي شيء في هذا البلاد يدل على حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ المساجد المغبرة المتسخة التي نطأها بأحذيتنا القذرة ونتصارع على إمامتها للنفع التافه ثم ندبر عن تنظيفها ورعايتها، هذا المجتمع إلا قليل من الصالحين يسبون رسول الله بأفعالهم ويتبرؤون منه بأفعالهم ألا فلتنصروا رسول الله في بيوتكم أولا وفي أعمالكم لايحتاجكم رسول الله في الشوارع ولايحتاجكم يوم الجمعة مصطفين كالخراف لاتعون شيئا مما يقال كأنكم خشب مسندة، إنما نصرة رسول الله في صلاة الصبح، والسعي الحلال في الرزق والابتعاد عن الغش والكذب والزنا والفواحش، من أراد أن ينصر رسول الله فليتبعه أو ليدعنا من كذبه، في كل شيء تنافقون وتزورون أيها الموريتانيون حتى في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا الانغماس في الشهوات والابتعاد عن الأخلاق الذي نغط فيه قمة وقاعدة هو ما أدى لهذا البلاء المبين، لست أرى تطاول هذا النكرة التافه على مقام النبوة السامي في هذه البلاد إلا فضحا من الله لأهلها وتوبيخا لهم وابتلاء مابعده ابتلاء، ها أنتم تزعمون أنكم أحفاد المرابطين حملة لواء الجهاد والشناقطة حملة العلم، فمن أين جاء هذا الهراء الذي تسمونه إساءة لرسول الله وهو إساءة لكم أنتم ولايتعداكم ضيره وشينه؟ ومن أين جاء سيل الإلحاد المنتشر في صفحات فيس بوك؟
هذه أمراض مجتمعية آتية من تراكمات سنين عديدة من الفساد: فساد الأخلاق وإبعاد العلماء والدعاة الصادقين المتنورين في السجون والمنافي والتمكين للمفسدين المنافقين، فطغت النظرة المادية على اللمسة الروحانية الإيمانية، فانتشرت المنكرات تباعا، ولم يتحدث فيه عالم ولا باحث اجتماعي، لقد شوهنا كل شيء حتى المسجد والمحظرة جعلناهما تجارة ولم يتكلم أحد وفشت أنواع الزنى بمسمياتها المختلفة ولم يتكلم أحد، وفشى الربى ولم يتكلم أحد، فأين كان من ينصروا رسول الله حينئذ ، إنما انتهكت المقدسات يوم انتهكتموها في بيوتكم وشوارعكم بصمت، ومسحتم أفواهم منها ظنا منكم أن الله ينسى حاشاه.
فالدين وحدة متكاملة، تقتضي أنه لايمكن أن ننصر النبي صلى الله عليه وسلم بالغدو ثم ننهمك في غش المواطنين وأكل خيرات وطنهم بالعشي، ومن أعجب العجب أن ننتظر نصرة الرسول الأعظم من نظام الفساد الفاسد المفسد المستبد الذي يحكم البلاد، لو كان النظام يريد نصرة لأي مظلوم في هذا البلد لما ظلمهم واغتثب أموالهم وتركهم في العراء يصارعون الجوع والبرد، كم من أرملة تركت تصارع وصغارها البرد والجوع في الترحيل؟ وكم من مريض مسكين ترك فريسة للمرض لأن حياته لاتسوى عند الظغمة الحاكمة حفنة أوقيات، من يلجأون لمحمد ولد عبد العزيز نصرة لرسول الله هم مغفلون أغبياء، كالخراف التي ترى في الذئب قاضيا منصفا، مادام ولد عبد العزيز المنقلب ظلما وعدوانا المنتخب زورا وبهتانا وطغمته العسكرية المصطنعة ورجال أعماله المزيفين، يحكمون هذا البلد فثقوا أن خطانا تتسارع نحو الهاوية، وكل مواطن يرى مايحاك لمواطني هذا البلد من الدسائس ثم يلتفت إلى همومه الشخصية هو غاش لهذا الوطن الذي سيسأل عنه أمام الله ماذا قدم له؟
لقد كتبت قبل فترة، مقالا نقديا تحت عنوان موريتانيا في عين الإعصار لحظات قبل اللعنة ، قلت فيه إنه إن لم يأخذ العقلاء زمام المبادرة في هذا البلد قبل فوات الأوان فلسوف تحدث فيه بلايا وفتن عظام كل واحدة منها تنسي بلاحقتها. وأكرر ذلك اليوم وليس هذا المقال المشؤوم إلا بداية سلسلة من الويلات واللعنات لن تمهل هذا البلد أكثر من عقد من الزمن حتى توصله لدرك البلاء والشقاء لاقدر الله.

المختار ولد الشيخ

الأحد، 22 ديسمبر 2013

أزمة مجتمع (1) الحصاد المر

أزمة مجتمع (1) الحصاد المر/د. الحسين ولد الشيخ العلوي(دراسة) 2013-12-22 11:31:00


JPG - 20.4 كيلوبايت
د. الحسين ولد الشيخ العلوي
اعتادت شعوب العالم أن تحتفي باليوم الوطني بنشوة غامرة وحبور لافت كتعبير عن الانتماء لوطن تفخر وتعتز به وتبالغ بعض الشعوب في الحديث عن انجازاتها الحضارية دون أن ينتقص ذلك من أهمية المناسبة لكن أن يتم التغني والتباهي بمنجزات وهمية لا أساس لها علي أرض الواقع فتلك سابقة وخصوصية ننفرد بها نحن الموريتانيون دون سوانا من الشعوب!
الدولة الموريتانية ولدت خديجا غير مكتمل النمو في عملية قيصرية شكلت تحديا تاريخيا لسكان هذا الإقليم الذي سمته فرنسا بموريتانيا في محاولة لاقتطاع هذه الدولة عن سياقها التاريخي كنشاز في منطقة تشكل امتدادا استراتيجيا لفرنسا ومع هذا انبري ثلة من الرجال الاستثنائيين الذين تنكر لهم التاريخ والأحفاد لبناء الدولة الخديج فشرعوا من تحت خيمة في وضع أسس دولة موريتانيا.
عند إدراك ظروف النشأة وما اكتنفها من تحديات ورهانات يجعلنا ندرك كم كان الآباء المؤسسون رجال دولة استثنائيين حيث قدموا وطيلة عقدين من الزمن نموذجا يحتذي به لتحويل المجتمع من حالة البداوة الي ما يشبه الدولة علي المستوي الوجداني والعقلي عبر سياسات التأسيس المرحلي التي كانت سائدة عالميا في وقت كانت وتائر التنمية فيه تسير بخطي وئيدة متباطئة في العالم برمته حتى العسكر الذين أطاحوا بالحكم المدني صبيحة العاشر من يوليو 1978 حافظوا علي الشكل العام للدولة الخديج حتى العام 1984.
إلا أن التراكم المعرفي الهائل الذي عرفه العالم في مطلع ثمانينات القرن المنصرم وصل حد الفيضان حيث غدت المفردة العلمية تتجدد كل سبع ثواني! في حين كان يلزم لحدوث ذلك عقود من الزمن ( عشرات السنين) خلال القرون الخمسة الماضية والمسماة بالعصر الحديث ووصل دفق المعلومات كمًا يصعب معه الحصر أو الإحاطة هذا المعطي المعرفي الذي مهد لثورة المعلومات الهائلة التي شهدها العالم في تسعينيات القرن المنصرم غيرت من مفاهيمنا وأحدثت قطيعة ابستيمولوجية مع ماضينا المعرفي وأوجدت عالما متسارع الأنفاس ومتلاحق الأحداث ولا مكان فيه للمتروي أو من لا يجاريه في سرعته الشيء الذي أفضي الي آليات جديدة لإدارة الدول والكيانات الاقتصادية واستدعي وجود تفكير مغاير للإدارة والحكم والتنمية إلا أن الملاحظ في الحالة الموريتانية وكأن كل شيء قد توقف عند العام 1984.
لن أغالي في جلد الذات أو التباكي علي الفرص المهدرة التي لم يحسن قادتنا ونخبتنا السياسية والثقافية في اغتنامها لما يزيد علي نصف قرن من الزمن ولن اكتفي بالنقد والسخط والتبرم علي الواقع المتردي كما اعتادت كتابات اليوم بل سأقوم بما يفعله نظرائي من المفكرين الاستراتجيين والنخب الثقافية في العالم التي لا تكتفي بالعويل والصراخ بل تقدم الحقيقة عارية دون رتوش أو تلميع حتى وان كانت مؤلمة وقاسية ومروعة كتشخيص موضعي ومن ثم المحاولة في تقديم تصور معرفي للنهضة وسبل الانطلاق كمساهمة مني في تقديم مشروع مجتمع مع غيري من مثقفي موريتانيا الذين يعيشون عصرهم ويستلهمون معطياته.
الدولة: الحصاد المر
آن الآوان علينا كموريتانيون ان نقر بحقيقة مرة نأبي الاعتراف بها وأن نتوقف عن اعتبار أن ما لدينا دولة, فالتعريف الكلاسيكي للدولة باعتبارها شعب وحكومة وحوزة ترابية أضحي جزءا من الماضي فكل المعطيات والمؤشرات علي ارض الواقع يشير بجلاء أننا ومنذ ما يزيد علي نصف قرن لم نتعدى مرحلة مشروع دولة ,هذا الإقرار سيجعلنا ندرك حجم التحدي الذي يواجهنا في عالم متسارع الأنفاس ويسير بوتيرة فلكية وأن نضع الأسس اللازمة للشروع في عملية البناء التي تأخرت كثيرا بعقلية جديدة تواكب معطبات العصر وباستخدام آليات التفكير الاستراتيجي بعيدا عن السخف والعبثية التي تطبع مسيرتنا السلحفائية.
منجزاتنا طيلة ستة عقود ونصف من نشأة الدولة الموريتانية تقدم حقائق صادمة ومروعة حيث وبالاستعانة بالإحصائيات الشحيحة حول موريتانيا نجد أن:
• نصيب الفرد من الناتج الداخلي 1110 دولار أمريكي.(الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 2800 إلي 6700 دولار أمريكي).
• تبلغ نسبة الفقراء في موريتانيا 46% ﻣــﻦ السكان وهو الأعلى عربيا والتاسع عالميا.
• يعيش حوالي 20 ٪ من السكان على أقل من 1.25 دولار في اليوم. (الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 5.12 إلي 8.70 دولار أمريكي)
• يرزح 10 ٪ إلى 20 ٪ من سكان موريتانيا تحت حياة العبودية بصورة من الصور أي من 340000 إلي 680000 نسمة. وهي الأعلى عالميا
• موريتانيا ضمن دول القائمة السوداء لعمالة الأطفال (16 دولة) حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية للمنظمات الحقوقية العاملة في موريتانيا إلي أن من 8% إلي 27% من الأطفال تحت سن 12 يجبرون علي ممارسة أعمال لا تتناسب مع أعمارهم.
• تحتل موريتانيا المرتبة 48 في قائمة الدول 66 المتاجرة بالبشر والوجهة المفضلة هي الخليج العربي.
• موريتانيا تملك مساحات أراضي زراعية تقدر بنصف مليون هكتار أي نحو مليون ونصف مليون فدان، منها 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال ونحو 240 ألف هكتار تروى بمياه الأمطار أما الباقي فيروى بمياه السدود، يعمل في القطاع الزراعي نحو 60% من إجمالي القوى العاملة الموريتانية مع ذلك فموريتانيا تستورد 70% من حاجاتها من المواد الغذائية(للعلم نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية تكفي لإطعام 12مليون شخص بالطرق البدائية و35مليون بالطرق الزراعية الحديثة).
• تمتلك موريتانيا 18مليون رأس من الماشية ومع ذلك لا تمتلك صناعة حقيقية قائمة علي هذا المصدر.
• تمتلك موريتانيا 2.4 مليون نخلة تشكل نسبة 3.4% من نخيل العالم ومع هذا لا توجد صناعة قائمة علي هذا المنتج ولا تصدر موريتانيا التمور للأسواق الخارجية في حين أن تونس التي تمتلك 1.76 مليون نخلة وتصدر 35% من تمورها للأسواق الخارجية تدر عليها ضعف ما يدره خام الحديد علي موريتانيا(أهم مصدر للدخل في موريتانيا).
• حسب تقرير لجنة الخبراء السنوي رقم LCTU67893 في المنظمة الدولية للسياحة الصادر في 23 أكتوبر 2012 أن موريتانيا تمتلك كل المقومات لتكون الدولة الرابعة عالميا في مجال السياحة الصحراوية (للعمل عائدات السياحة الصحراوية في الدولة رقم 5 عالميا الأردن هو 3.1 مليارات دولار سنويا أي سبعة أضعاف عائدات حديد موريتانيا).
• في موريتانيا 713 صحيفة ومجلة المرخص منها 390 (للعلم في سوريا 194 صحيفة ومجلة منذ العام 1830 و حتي العام2011 وعدد سكانها يزيد علي العشرين مليون نسمة).
• في موريتانيا 34 حزبا سياسيا(للعلم في الولايات المتحدة 6 أحزاب الفاعلة منها حزبان فقط).
• موريتانيا وبعد 63 سنة من الاستقلال 5% من سكانها لازالوا بدو رحل.
• 12% من سكان موريتانيا لا يتمتعون بسكن و 88% الباقية يسكن 79% منهم في مساكن غير لائقة ولا تتوفر علي ابسط سبل العيش الكريم.
• استهلاك موريتانيا السنوي من الكهرباء 230,6 ميغاوات (للعلم يستهلك قطاع غزة وهو تحت الحصار الخانق 450 ميغاوات).
• 18.8% من الموريتانيين يتمتعون بخدمات الكهرباء.
• الأسر الموريتانية التي تحصل علي خدمات الماء الصالح للشرب 43.7%.
• موريتانيا تصدر متوسط 95 ألف طن من السمك سنويا يدر عليها 303 مليون دولار في حين أن ماليزيا التي تصدر 37 ألف طن سنويا يدر عليها 4 مليار دولار.
• موريتانيا التي تعتبر احد الدول المصدرة للسمك لاتتوفر علي صناعات سمكية حقيقية.
• يبلغ إنتاج موريتانيا من خام الحديد 12 مليون طن سنويا وبعائدات سنوية تتراوح من 435 إلي 550 مليون دولار أمريكي في حين أن مصر التي تنتح اقل من مليوني طن سنويا تتحصل علي عائدات تفوق مليار دولار أمريكي.
• تحتل موريتانيا المرتبة 150 عالميا بعد فلسطين في قائمة الطرق المعبدة في عموم البلد بـــــ5147 كيلومتر من الطرق المعبدة, أنشأ 46% منها في حقبة الرئيس الراحل المختار ولد داداه (للعلم مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة 6247 كلم مربع) مساحة موريتانيا تعادل 165 ضعف مساحة غزة والضفة الغربية ويبلغ عدد الطرق المعبدة في مالي 18709 كلم وفي النيجر 18550 كلم.
• تحتوي موريتانيا علي أهم المعادن التحويلية كالحديد والنحاس والجبس والذهب ومع هذا لا يوجد بها مصنع واحد قائم علي هذه الخامات.
• الأمية تصل في موريتانيا إلي أرقام قياسية حيث43% من السكان يقعون في هذه الخانة.
• متوسط العمر في موريتانيا 51.24سنة للذكور و55.85 سنة للإناث وبهذا تحتل موريتانيا المرتبة 187 في قائمة دول العالم البالغة 221 دولة.
• ميزانية موريتانيا البالغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة هي 977 مليون دولار وهذه الميزانية بالكاد تعيل ربع مليون نسمة في ظروف تقشف صارمة.
• عدد المستشفيات الكبيرة في عموم موريتانيا 2 والعيادات المجمعة 1 وعدد المستشفيات المتخصصة 4(مستشفي إمراض القلب ومستشفي الإمراض النفسية ومستشفي السرطان ومستشفي الأم والطفل ) وكلها بدائية وخدماته من فئة F-.
• عدد الأطباء المتخصصين 220 وعدد الأطباء العامون 300 وعدد العاملين في القطاع الصحي 1200 طبيب وممرض وفني بمعدل طبيب لكل 10000 نسمة وهو المعدل الأدنى عالميا وقد حددت منظمة الصحة العالمية بان الحد الأدنى لتوفير خدمة الكفاف الطبية هو 23 طبيب لكل 10000 نسمة.
• يبلغ عدد المدارس 4189 مدرسة في موريتانيا. 6 منها فقط تنطبق عليها مواصفات المدرسة بمعايير العالم الثالث.
• تبلغ نسبة البطالة 33% من القوي العاملة 95% منها شباب.
• 5000 من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا وحوالي 1000 منهم من حملة الماجستير والدكتوراه.
• موريتانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك شبكة صرف صحي.

أزمة مجتمع

لغة الأرقام أعلاه تقدم حقائق صادمة ومروعة عن حجم الهشاشة وإهتراء ما يسمي بالدولة الموريتانية ويؤشر إلي غياب شبه كلي للخدمات الضرورية لأي تجمع حضري مما يعني أن عدم الإحساس بهذا المأزق الوجودي لدي النخبة السياسية والثقافية لدليل واضح أن أزمة موريتانيا هي أزمة مجتمع بالمقام الأول وليست أزمة سياسات حكومية آو برنامج سياسي انتخابي.
تساوقا مع ما ورد أعلاه أري أن حرص المعارضة وجل النخبة السياسية علي التركيز علي الشأن السياسي كالتداول السلمي للسلطة والانتخابات والدستور تعتبر ضرب من الترف الفكري وخبل في الفكر وشطط تأباه الفطرة السوية, فمجتمع يعاني غالبيته من الفقر حد العوز والحرمان والجهل وتحاصره الأمراض من كل حدب وصوب لا يمكن أن يحل مشاكله بالديمقراطية التي في ظل العقلية السائدة المتخلفة ستمعن في تجذير تخلفه.
ما تحتاجه موريتانيا هو طبقة سياسية جديدة ذات فكر استراتيجي و تدرك آليات وسبل بناء الدولة في عصر العولمة بفكر مغاير لما هو موجود والعبء هنا يقع علي النخبة المثقفة التي ينبغي عليها أن تشعر الشعب الموريتاني بخطورة الوضع الكارثي.
موريتانيا تحتاج لمن يدرك إنها في أمس الحاجة إلي خطة مارشال مستعجلة لانتشال المجتمع من وهدة التخلف والجهل والمرض والفقر, موريتانيا تحتاج إلي رجالات دولة أفذاذ من طراز مهاتير محمد يتسلحون بالعلم ويضعون خطط تنموية بآماد زمنية محددة مع توظيف كل السبل المتاحة لتوفير الرساميل اللازمة للتنمية دون إبطاء.
القنابل الموقوتة كالتطرف الديني وانجرار شريحة عريضة من الشباب وراء الجريمة المنظمة وعالم المخدرات والشرخ الذي يزداد اتساعا مع الأيام للوحدة الوطنية مرده انسداد الأفق وغياب مشروع مجتمعي يلتف حوله كافة مكونات المجتمع الموريتاني. غياب الدولة وتقاعسها عن أداء واجبها تجاه المواطنين هو المسئول عن ظاهرة التسول السياسي حيث استشري الفساد وتدني حس الانتماء إلي الوطن وفقدان بوصلة التوجيه لدي الشباب والناشئة.

سبل الحل

عندما استمع إلي خطب الرؤساء الموريتانيون وأتتبع سياساتهم علي المستوي التنموي أحس وكأنهم لا يفقهون كثيرا في السياسة وأنهم يتصرفون بعقلية شيخ القبيلة في العصور الغابرة ويعتصرني الألم والقهر عندما استمع لسياسيينا معارضة وموالاة فأحس وكأنني أمام أجداث محنطة فغياب الرؤية وعدم إدراك حجم المأساة والتكالب علي المناصب واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها كلها مؤشرات تنم عن مدي تخلف طريقة تعاطيهم مع الشأن العام.
عندما استمع لسياسي موريتاني أو مثقف يتحدث أحس وكأن عجلة الزمن توقفت عند مضارب بني عبس وقطفان وحمير وذبيان.
منطق التخطيط الاستراتيجي يقول بجلاء أننا أمام مجتمع يحتاج لبنية تحتية كاملة وعلي كافة الأصعدة فكيف السبيل إلي ذلك؟.
لابد من تكوين خلية أزمة مكونة من اختصاصيين موريتانيين في كافة الشؤون التنموية وهم كثر في المراكز البحثية العالمية ومنهم من يساهم بفعالية في تحديث مجتمعات أخري تقر بموهبتهم وتقدر عقولهم النيرة وفي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان والصين وماليزيا استراليا ودول الخليج العربي مئات من الباحثين الموريتانيين ومن العيار الثقيل هؤلاء هم من سيبنون موريتانيا حقا لأنهم عايشوا عالم اليوم المتسارع الوتائر واللاهث في سباق محموم لا هوادة فيه.
أولا : تحديد سلم الأولويات
ثانيا: ضرورة القيام بدراسات مسحية استقرائية للوقوف علي الاحتياجات والمتطلبات ووضع خطة استعجالية سقفها سنتان وأخري مداها 5 سنوات.
ثالثا: سبل توفير الرساميل اللازمة لإنشاء البنية التحتية المطلوبة
رابعا: حملة تحسيس شاملة تستهدف إشراك كافة مكونات المجتمع في عملية البناء. سلم الأولويات
بالنسبة لدولة سكانها 3.5 مليون نسمة ومساحتها تفوق المليون كلم مربع وتحتاج لبنية تحتية شاملة علي كافة الصعد فإن سلم الأولويات ينحصر في:
1. قطاع الصحة.
2. الزراعة.
3. الاسكان.
4. التعليم.
5. الكهرباء والمياه.
6. المواصلات والطرق.
7. الخدمات البلدية.
8. الحالة المدنية.
9. الجاليات في الخارج.
10. الدبلوماسية الخارجية.
يتبع إن شاء الله
د. الحسين ولد الشيخ العلوي
01/12/2013
الحمامات / تونس elallawy@yahoo.com

الخميس، 19 ديسمبر 2013

موريتانيا فى عين الإعصار: لحظات قبل اللعنة

الأربعاء 13 شباط (فبراير) 2013

المختار ولد الشيخ
أستاذنا البارز باباه سيدي عبد الله، اسمحلي أن أضع توقيعي على مقالتك الأخيرة سطرا سطرا، وحرفا حرفا، فلقد رسمت الحقيقة عارية، ولقد أسمعت لو ناديت حيا، وأرجو وآمل أن تلامس كلماتك بقية الضمير في نفوس القراء الكرام، قبل أن يلعننا أبناؤنا حين يسيقظنون وهم في مجاعة لا يملكون من علوم الزراعة الحديثة مايرفعونها به، أو حين يدركون أنهم في جهل عميق بالتقنيات كل التقنيات السلمية والحربية، فيلعنون من كان السبب في هذا، أو حين تنتشر بينهم أمراض بدائية بالكاد مازال العالم يذكر أسماءها، أو حين يستيقظون على شركات متغولة تفتك باقتصادهم الهش وتمن عليهم بفتات موائدها، مسقبل لاشك مظلم ما نبنيه لأبنائنا، أين المدارس التي ستعلمهم؟ أين المستشفيات التي ستعالجهم؟ أين المنتزهات التي تسمح لهم بالاستجمام الآمن؟ أين الطرق التي عبدنا من أجل غدهم؟
الأستاذ باباه عبد الله يقع على عاتقك وأقرانك من المثقفين الواعين التنبيه والإنذار، فالمثقف كسب ثقافته كما كسب التاجر ثروته من عرق المواطنين البسطاء، فكم من أستاذ مبخوس الأجر كتب ومحى من أجل أن يتعلم، وكم من أم بسيطة طبخت وغسلت ليتعلم، وكم من أب مسكين ناضل وكافح ليتعلم، فالمثقف نسيج وطني نسجته المقادير والحظوظ، ليس المثقف إنسان القوقعة ينكفئ على مئاربه الشخصية كما ينكفئ الجاهل على نفسه، إن حقوق هذا الشعب التائه عليكم أيه السادة المثقفون عظيمة لو تعلمون.
إنني أشك في أن معارضتنا الهزلية أو نظامنا الكرتوني سيكون بيد أحدهما مفتاح النجاة، مالم نفهم أن المعارضة والموالاة مفاهيم نشئت وتطورت كأدوات للتعبير عن الرأي أولا وأخيرا، فلن نبرح المربع الأول، ليست المعارضة أداة للوصول إلى السلطة وليست الموالاة وسيلة للبقاء فيها، إلا في بلادنا المختلة الموازين.
ألا تغالطنا الموالاة حين تصف نفسها بدعم برنامج الرئيس؟ فهل يسيّر الرئيس البلاد أصلا على أساس برنامج محدد؟ ألا يحيد عن البرنامج قيد أنملة؟ لِمَ لمْ نسمع أية نقد أو مراجعة داخلية في الموالاة للرئيس وحكومته؟ ألا يخطئ المسؤولون في عهدكم الميمون؟ ماذا تدعم الموالات رغم الغياب التام للتفكير العميق والتخطيط الاستراتيجي لدى النظام؟ هل تدعم هذه الحملات التي يقوم بها النظام كأنها غزوات في القرون الوسطى؟
ألا تكذب المعارضة حين تصف نفسها بأنها معارضة ديمقراطية؟ كيف تسعى للشراكة في الحكم وهي معارضة؟ أليس لديها دور آخر تلعبه غير السعي الحثيث للسلطة والتخطيط للانقضاض عليها؟ أين مشاريعها المجتمعية؟ أين كشفها لمواطن الخلل في الدولة؟ أين أطروحاتها المقترحة لحلول المشاكل المعقدة التي تربك النظام؟
كل شيء مشوه في هذا البلد: الطبيب الذي نتوقع أن يكون ينبوع رحمة هو مصدر عناء ونكد عابد للأوقية، الأستاذ الذي يتوقع أن يكون مدرسة أخلاق وقيم هو مسخ عديم الهوية عابد للأوقية، المحامي الذي تكون على الدفاع عن المظلومين ورفع الضرر عنهم هو ظالم غاشم عابد للأوقية، التاجر الذي نظن أن إرضاء الزبون هو همه الأول هو في الحقيقة عدو الزبون الأول يدس له الدسائس ويدير عليه الدوائر عابد للأوقية، الصحفي الذي كان همه التنقيب عن الحقيقة النافعة وبثها بين الناس نجده يعبث في أعراض الناس يغطي الحقائق حين لاتخدم مصالحه عابدا للأوقية.
فلماذا يعرف الموريتانيون أكثر من غيرهم عن الدين والأخلاق وهم أقل الناس عملا بالمبادئ؟ لماذا نعيش أزمة أخلاق حادة مع ثرائنا العلمي؟ في نظري أننا في اللحظات الأخيرة قبل أن تكتب على هذه البلاد لعنة تاريخية لن تنمحى مالم تنقسم على نفسها أو تشتعل فيها حرب تغسل أقذارها.
وأبسط شيء نقوم به اتقاء لهذه اللعنة التي تظل رؤوسنا أن نوقظ ضمائرنا من سباتها العميق، أن نقول الحق، أن ننكر المنكر، أن نقول للسارق ياسارق، أن نقول للكاذب يا كاذب، ولو كانوا آباءنا أو إخواننا أو عشيرتنا، فالحق والعدل هو عشيرة المؤمن الصادق وأهله.، إني لأعجب كيف يغيب عن عامة المسؤولين في بلد مسلم عميق الاسلام استشعار المسؤولية ألسنا كلنا رعاة؟ وكلنا مسؤول عن رعيته، لو استحضرنا قوله تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (*) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ لعرفنا أن المهندس الذي يجهز البنيات بمواد لاتدوم إلا أياما سيسأل، والطبيب الذي يصف علاجا لسبب تجاري سيسأل، المثقف الذي لايكتب إلا حين تمس مصالحه سيسأل، والأستاذ الذي لاينصح إلا لدافعي الدروس الخصوصية سيسأل، كما سيسأل الرئيس عن كل مواطن لم يجد قوته فترك تعلم أساسيات القراءة ليطلب قوته، وسيسأل عن ذلك البائس الفقير لما ألم به مرض عضال في نواحي تنبدغة فلم يسعفه ولم يرسل ناقلة عمودية هوائية لنقله، سيسأل عن الطينطان الذي اجتاحته السيول لم لم يقم بدراسة قبل حدوث الكارثة، سيسأل عن أطفال الركيز لم حقنهم ممرضون في دولته بمواد مخدرة قاتلة؟ سيسأل عن عائشة الصبية التي دهستها سيارة مسرعة قبل يومين لِمَ لمْ يحمها ؟

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

كتائب القصر الرمادي الإعلامية


ما إن تدير مفتاح سيارتك وتدوس لسان المحرك حتى يدور المحرك ببلاهة تامة ويطلق أزيزه العجمي ليعلن عن وجوده بتفاخر بليد، وإذا ملأت أمعاءه ذهبا أسود فلن يتسآءل أين تنوي الذهاب، ولن يتذمر من الطرق غير المعبدة ولن يبدي امتعاضه من تركه يزمجر وأنت واقف في انتظار الإشارة الخضراء، هكذا همُ الكتّاب الأجراء، أو هم كالهاتف العمومي: ضع نقودك وقل ماتشاء، أزعم أن الحرف لم يعان في تاريخ بلادنا كما يعاني اليوم، ولم تنفصل الكلمة عن الواقع كانفصالها اليوم عنه، لقد أصبحت الحروف تُحمّل ما لاتطيق، وترسل إلى حيث لاتريد: ترصّ رصا في بنيان لامنطقي ضرارا وكفرا وتفريقا بين الناس، المنطق العفن الذي يكتب به كتّابنا الحرفيّون الأجراء (الذين أسميهم الكتاب الانتصاريين) اليوم يشوه صورة الكاتب نفسه، ويجعل قراءة الصحف فعلا مقززا، انظر إلى من كتب: «لقد حول فخامة رئيس الجمهورية صحراء مثلث الفقر إلى جنات خضراء بعد عقود العزلة الطوال، وفجر فيها الماء ينابيع، وزينها بالطرق  و ملأ الأرض أمنا بعد ما ملئت قبله رعبا وفزعا،وأجلى البؤس عن ألاف الفقراء وسكان الأحياء الشعبية عندما قسم الأرض، وخطط الأحياء، وشيد المدارس، وأبدع تحويلا جذريا لا مس حياة الناس» ويكتب آخر« سبيل الظفر متواصل؛ على جادته، أجيال التغيير البناء، تمضي في المقدمة، والمشاريع الحاضنة تلحق»
فأسالك أيها القارئ الكريم : كيف لمواطن عاقل يقاسي الويلات في سَبْحه اليومي أن يضيع من وقته لحظة في قراءة تفاهات كهذه؟ من سيصدق إذا قيل له إن البلاد بخير وأن الطرق عبدت وأن الحدائق شيدت والإنارة شملت جميع الشوارع والأزقة فإذا خرج رأى السيارات تنغرس في الرمال الموحلة على بعد متر واحد من أكبر الشوارع، أو رأى يد الردى تتربص به في أزقة حيه المظلمة الضيقة؟  غير العاقل وحده من يجرؤ أن يكتب هكذا ترهات.
كتائب القصر الرمادي الإعلامية
ولا أشكّ فيما يشير له البعض من أن للقصر الرمادي خلية كتّاب مرتزقة سرية تشكل فيلقا إعلاميا يعمل ليل نهار على فرز المقالات والشبه السياسية المثارة، والدليل أن هذه الفئة تعمل بالأوقية أنها في فترة حادث الطويلة المؤسف لم تنبس ببنت شفة وكانت تنتظر الأوامر أو على الأصح تنتظر الأجرة، وهذا الفيلق غير متجانس، وكتائبه متباينة الجهد والأجر، وتتوزع الكتائب في نظري إلى:
كتيبة الكلاب الضارية: كتيبة متمرسة تعمل بأجر ثابت وبهمة محددة، خلق غطاء منطقي للامنطقية النظام، وهي كتيبة منطقية في الكتابة تعتمد على النبش والنهش في الأعراض.
ومهاجمة الآخر ولاتدافع عن التصرف غير المنطقي بل تتجاهله وتحاول إثبات لامنطقية رد الفعل المعارض.
كتيبة مرتزقة الشوارع:التي تكتب بأسلوب شرس في مناسبات محددة طمعا في أن يصيبها من رضى القصر نصيب، ولاتأخذ أجرا بل تكتب طمعا وفصائلها ضعيفة بعضها يكتب طمعا في منصب أو نصرة لدم العشيرة أو دفاعا عن شخوص النظام، وتتحدث عن برنامج الرئيس وتغفل عن واقع التطبيق.
كتيبة المغفلين:التي تكتب ماتظنه صدقا بسذاجة وأغلبها من المترفين، وتبقى كتاباتها موغلة في اللامنطق، وتكتب بأسلوب هادئ غبي، وغالبا ماترد على المعارضة، ردودا مضحكة.
كتيبة المتحيزين: كتيبة يحاول أفرادها تهدئة الجميع، قائلين إن الوضع بخير، بأسلوب مهدئ يكشف إيجابيات النظام ولايعيب المعارضة، بل يدعوا للتكامل، وأصحابه يحاولون عبثا الجمع بين النقيضين رغبة في إنقاذ الحكومة أو النظام.
وهنا أود أن أسجل إقراري بحصافة بعض الكتاب الانتصاريين (الذين ينتصرون للنظام وأزلامه) الذين لم يجدوا في النظام ميزة إيجابية ينافحون عنه بها منطقيا، فانخرطوا في حملة لا أخلاقية في جمع عيوب مناوئيه لبثها للضغط عليهم لعلهم ينتهون، ففي هذا الأسلوب المافيوي احترام للمنطق واستهتار بالأخلاق العامة وإسفاف منقطع النظير، يعلنا نرا صاحبه ككلب مدرب ينهش أعراض الناس ولحومهم كلما اقتربوا من حماه، وهنا أود القول وأؤكد أن أي مواطن عاقل لايقبل أن يجعل خلافه مع الساسة وأهل الشأن العام قضية شخصية، فشخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس هدفا إلا لقلم مريض، لكنه سياساته العرجاء تظل هدفا ثابتا لكل كاتب حر يهتم لمصلحة الوطن.
وفي الختام أود أن أنبه النظام وكتابه ومتطوعيه ومرتزقته، أن الصحف لايقرؤها إلا قلة قليلة جدا من نخب الشعب، فلم كل هذا العناء؟ فليتجهوا لتلفزيونهم وليملؤوه كذبا ونفاقا، كفاهم تزلفا في الصحف والمواقع،أيها الانتصاريون لن تغطوا بكتاباتكم المهترئة وهجماتكم الكلابية الوضيعة عين المواطن عن الواقع، إن نظامكم لايتحمل مسؤولية أفعاله لايعرف أين يضع رجله كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فاشتغلوا في إنقاذه فكروا في خطط تخفض الأسعار فكروا في تنمية البلاد، فكروا في إدماج الشباب في سوق العمل، فكروا في لجم شبح الزبونية والقبلية والجهوية الذي يخيم في كل تصرفات نظامكم، فكروا إن كنتم تفكرون فإن نظام ردة الفعل الذي تناصرون لم يعد فعالا، فليفعل شيئا لإنقاذ نفسه، كنظام السب والشتم واللامنطق الذي تكتبون به؟ هناك من لا يخافكم ولاتنطلي عليه أكاذيبكم فماذا أنتم فاعلون؟
المختار ولد الشيخ.

موريتانيا في عين الإعصار: ويتسارع الدوران.


أولا: أنا والسيد محمد فاضل، الحديث ذو شُجون
يعاني المثقف الموريتاني من حالة تواضع عفوية مُفرطة، ربما اكتسبها من مسحة التصوف الذي كان شائعا في البلاد، أو ربما تربى عليها في أحضان المحاظر التي تُـفتـتـَحُ جلّ كتبها بسيل تواضع هادر، يكاد يبعث فيك الرغبة في التخلي عن دراسة الكتاب، لما وصف المؤلف نفسه به من قصور الباع وقلة العلم، ولكنك لاتلبث أن يُدهشك كاتبه بقدرته العجيبة بما سطره بعدتلك المقدمة التواضعية من علم نفيس.
وهذه الدهشة لم تحدث لي مع الكاتب والباحث المحترم الأستاذ: محمد فاضل ولد السيد ولد امصبوع، في مقاله الأخير، مع تواضعه الجم، وماذاك إلا لعدم توفر عنصر المفاجأة، فالكاتب معروف وله صولات وجولات يعرفها كل متصفح لصحفنا المسودة حياء من خلوها من الفائدة، وسُوح مواقعنا القفر من الكتابات العميقة الرزينة ككتاباته.
ولذلك قرأت مقاله الأخير بتعمق يليق بثقل الكاتب ومكانته، وراجعت عملا بنصيحته مقالي ومقاله، فوجدته يؤكد ويوقع على صحة الوصف أن موريتانيا في دوامة إعصار وفي وجه عاصفة، أما كون حدة سرعة الإعصار خفت قليلا بعد وصول النظام الحالي إلى السلطة فهذا أمر لامراء فيه ولاجدال، ولكنها اليوم تسير نحو المجهول بخطى أزعم أنها متسارعة.

وإليك أيها الأستاذ الفاضل تلك الأشياء الخصوصية غير المهمة، التي أثارت فضولك: بخصوص الصورة الشخصية فلا تتوفر لدي صورة ألكترونية حاليا، وأنا موريتاني أفتخر بانتمائي لشنقيط(موريتانيا ما قبل الاستقلال)، وأزعم أنني مواطن صالح، ودافع ضرائب ملتزم، رغم أن لا أملاكَ تذكر لدي، وحامل شهادة علمية عليا عاطل عن العمل، أقلب كــفيّ كل يوم على ما أنفقتُ فيها من سِـنِي عمري الثمينة، سنين عددا بددتها طلبا للعلم، أيامَ كنتُ جاهلا أنني في بلد يغتالُ فيه الجوع والفقر، أما الجهل فيه فهو نعمة، لأنه، على الأقل، يقلل من إحساس المرء بالغبن والظلم، ويـبلـّـد مشاعره، فرهافة الحس وسلامة الذوق في بلد كبلدي مصيبة عظيمة، بالكاد أدبّر أمري في دولة النظام الحالي الذي تصفه بالعدل، عدلٌ أرجو أن يصلني مالم تكن تعني ذلك العدل الذي شرب المواطنون جميعا من كأسه الزعاف، فأفّ له من عدلٍ يوزع كالحقن غصبا.
أما بخصوص سؤالك لِمَ لمْ أكتب قبل اليوم؟ فلا أظنه يعنيني لأنني في المقام الأول لست من فئة المثقفين المؤثرة، من أمثال الأستاذ باباه عبد الله، الذي أعيد أنا هنا طرح السؤال عليه، كما طرحته في مقالي السابق، أين أنت يا أستاذ باباه ـ ومعك أغلبية المثقفين الصامتة ـ  من قضايا الوطن الكبرى؟ أما عن العبد الضعيف فإنني أكتب منذ عام 2005 على صفحات بعض الصحف الوطنية، وآخر مقالة لي بين تأليه وشيطنة الرئيس، نشرت قبل أسبوعين، وأنا عاذرُ لك أن لاتكون قرأت لي يوما يا أستاذ  محمد فاضل، ففي أغلب الأحيان لاتنشر مقالاتي إلا على موقع وحيد:موقع أقلام حرة مشكورا، فقد ضاقت صفحات المواقع الأخرى رغم اتساعها عن حرفي، وامتلأت رغم خوائها وقالت قطني قد امتلأت من الآراء بطني.
ثانيا:سؤالُ: أينَ نحنُ؟ جنوحٌ عن أسئلة الوطن.
لا يُستساغ إطلاقا تحت أي ظرف أن يتناول المثقفون موضوع تقدم دولة مصنفة في العالم الثالث أو تأخرها، لأن تأخر وتخلف بلدٍ أيا كانَ ـ أحرى كبلدنا للأسف ـ أمر مفروغ منه، ولا يحتاج لسوق الأدلة، ولايخفى على عاقل، ولا يقبله ذو ضمير حي، والموالي المحترم للنظام والمتحيز له لايجد ما يدافع به عن نظامه إلا وصف المعارضة بالمبالغة والتشويش الإعلامي المغرض على عمل الحكومة، إذ أن المعارضة نفسها ليست مصدر التوتر والانسداد المتزايد في الأفق السياسي في البلاد، بل إنها تستخدمه وتجمعه في سلتها، فغاية ما يستطيع الموالي وصف المعارضة به أنهم: جَمّاعــوا حطب، ويبقى مقرا في الأخير أن ماجمّعوه حطبٌ مشتعلٌ.
فماذا ستقول لمظلوم يتظاهر طلبا لحقه الذي انتزعه مسؤول سام من فمه؟ أتقول له أنت كاذب تتظاهر وتتكبد عناء الصبر في الشمس فقط لأنك معارض، أم تقول إن ذلك المسؤول سيحاكم وأن النظام لايجير الظالمين؟وتطمع أن يصدقك هكذا بسذاجة؟ وبماذا ستجيب مكونا اجتماعيا تتظاهر عناصره لأن ابنهم حبس؟ بأن الدولة أصبحت عادلة فجأة وأن القضية تعني القضاء ولا دخل للنظام فيها؟
هناك أجوبة جوفاء فارغة أكثر خواء من الصمت نفسه، لا أحد سينام في حضن دبّ شرس مهما تقسم أنه أرنب وديع، بمعنى أدق:عندما تسير الدولة بعدل حقيقي، أقسم لكم أنه لن يتظاهر مواطن ضد تطبيق القانون في أهله ونفسه، عندما تصبح مشافينا على مستوى عال من الفاعلية والحيوية سوف لن نرى أحدا يسافر للخارج يتلف أمواله للدواء، عندما يجد الطالب فور تخرجه فرصة للعمل سوف لن نقول إن نظامنا التعليمي فاشل، عندما تصب غيوم الخريف المثقلة ماتصب فوق رؤوسنا ثم ننظر ولانرى البرك المائية كالبحر تحتنا حينها فقط نكول إننا نملك صرفا صحيا، حين نجد الحدائق العمومية تنشأ تباعا نقول إننا في الاتجاه السليم.
في بلد كوطني، أرى أن لا وقت لدى المثقف المحترم ليكتب إثباتا على تخلف الدولة وتأخرها، فمباحث المثقف وأسئلته التي يلح الوطن في طرحها عليه أخطر وآكدُ من هذا السؤال القاعدي، والذي لن يكون المرءُ مثقفا أصلا إلا إذا أدرك ببساطة إجابة السؤال الأولي: أين مقعد وطني في مصافّ الأمم؟ وسيدرك إن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، مدى تخلف وطنه الجريح المقعد،;ويعرف أن موريتانيا في قلب الإعصار منذ استقلالها إلى اليوم، وعليه أن يكتب حينها رده على السؤال التنموي: كيف نرفع من شأن بلادنا؟
ثالثا:السؤال المطروح: ماذا نريد وأين طريق التنمية؟
    ليت الوطن كان جميلا معبّد الطرق به حدائق ذات بهجة، ليته كان به أطباء مخلصون ومعلمون بررة ومحامون صادقون، ليت لنا نظاما يسهر على مصالحنا بشفافية، ليت لنا حكومة تعترف بأخطائها فنحاسبها، ليت لنا برلمانا يعرف شيئا غير الكلام اسمه الفعل ورد الفعل، ليت لنا شرطة يقظة تسهر على حمايتنا وتدفع رواتبها المجزية من ضرائبنا، ليت لنا بلدية حية تميط الأذى عن طرقنا، ليت لنا أملا نعيش عليه حتى ننام بلا أرق، كل هذه الأمنيات لن تتحقق بين عشية وضحاها سوف تتحقق بالتضحية والعمل الجاد الشاق من جميع أبناء البلد، لكن هناك ثلة قليلة من المواطنين هي المفتاح، هي الطريق هي الخطوة الأولى، إنهم عازفو جوقة التقدم والنجاح والنمو، إنهم معلموا الأمة، إنهم ملهموا الشعب، أعني أولي الأمر منا، أهل الحل والعقد، أهل القيادة والرئاسة، من أوتوا حظا من العلم من أوتوا حظا من المال، من أوتوا حظا من السلطة، هؤلاء وأولئك هم من يتولى كـِبر الفساد في الدولة، هم من يستطيع أن يقود سفينتها لبر الأمان، فليصلحوا أنفسهم تصلح بهم الأمة.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.....و لا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت....وإن توالت فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة الناس أمرهم..... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا.
المختار ولد الشيخ.

لمن لايفهم التعايش

لمن لايفهم التعايش
كنتُ أعلم أن الكثيرين من بني وطني لايفقهون التعايش ولا أساليبه ولا ضرائب العيش المشترك، ولقد تأكدت حين قرأت ردودا مشبعة بالعواطف خالية من المنطق العلمي، تقطر حقدا على ما تصطلح هذه المقالات على تسميته مجتمع البيظان، كتبت فيما يبدوا ردا على دعوة للتعايش، ولست هنا في معرض الدفاع عن البيضان أو مهاجمة غيرهم، فتلك مهمة قذرة أربأ بنفسي عنها، ولكنني أجد لزاما علي أن أبين الحق لكتاب عموا عن الحق وفهموا التاريخ مقلوبا، وتعلموا من الكتابة ما يجرحون به أنفسهم ومجتمعهم، ثلة يفوح من كتاباتها دخان الحقد، فكتبت إطفاء لما ينوون إشعاله من نسيج وحدتنا، ولن تلبس أباطيلهم إلا على جاهل  لايميز بين الحق والباطل.
حين يجد البعض ضغطا من مصاعب الحياة العملية ينكفئ على ذاته ويرى الكون من زاوية شخصية ضيقة، تجعله يرى مشكلته الشخصية البسيطة (الحصول على ترقية وظيفية، أو الحصول على مكاسب مادية) مشاكل وطن، ومذابح للتضحية بجميع المبادئ، فيقيء كل ما في جوفه من حقد متراكم، ويتكلم بكلام أقل ما يوصف به أنه هذيان سكران، وأعظم تجن على الحقيقة أن نصف مثل كاتب هذه المقالات بالحقوقي أو المناصر للقضايا الحقوقية، لاسيما وأنه يضر القضايا التي يدافع عنها أكثر مما ينفعها.
كل ظلمٌ عميق لانستطيع رفعه هو استعباد
أعتقد أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان هو نقطة سوداء في تاريخ البشرية تطورت عبر مراحل عدة، لتتجذر في وعي المجتمعات المتعاقبة، ولكن البشرية بلغت أوج نضجها الاقتصادي والمعرفي ما جعل من الممكن تطبيق فكرة تحرير العبيد فيزيائيا والإبقاء على استعبادهم اقتصاديا، فأنا أزعم أن الظلم المجحف الذي يتعرض له الإنسان في عالمنا الثالث، يجعله عبدا للنظم الحاكمة والثلة المسيطرة على الاقتصاد والسياسة، وأجزم أن الظلم في موريتانيا شامل، ولايكاد المرء يولد حتى تصله فواتير الظلم الذي يدفعها من صحته ومستوى تعليمه وتخبطه في دروب المستقبل،ولاشك أن الظلم درجات، والمظلوم نفسه ربما كان ظالما من قبل، والفرد الموريتاني يتربى تربية معوجة غير سوية، تجعل ظروفها وضغوطها نفسه مشوهة مصابة بعقد نفسية خطيرة، يُظلم حين يرتكب الأطباء أخطآء في صحته، يُظلم حين يمارس المعلمون عملية تعليم رديئة في حقه، يُظلم حين يمارس والداه عملية تربية مشوهة عليه، يُظلم حين يصنفه المجتمع في طبقة دُنيا لايستطيع فكاكا منها، يُظلم حين يبحث عن عمل فلا يجده إلا بشق الأنفس ليستعبده رب العمل، وليستعبده من توسط له في إيجاد العمل، ويستعبده شرطي أمن الطرق الذي يعامله بجفاء وغلظة، يستعبده حتى البقال.
وصفحات صحفنا تمتلئ بصرخات الشكوى من هذه العبودية العصرية والظلم المستشري الذي ينتشر في بلادنا، ولعل آخر الشكاوي التي أشار صاحبها عبد القادر ولد أحمدناه إلى شركته التي ظلمته بأنها إقطاعية متوحشة، ولست أنسى ماعاناه الأستاذ الفقيه باب ولد معط قبل أن تنتبه الرئاسة وتقوم بواجبها تجاه هذا المواطن الصالح الذي طالما أنار دروب الناس وأفادهم بعلومه.
في منظومة الظلم الذاتي المتكاملة هذه، لايكون من المجدي أن نركز على ظلم فرد واحد نجعله قضية تاريخية نحاول إثباتها، ألا يظلم أبناء هذا الوطن أنفسهم وذواتهم؟ ألا ينبغي أن نفكر في المشاكل أكبر؟ أن نطرح الأولويات لوطن يهوي في بئر التخلف العميقة:  نظام تعليمي متهاو، نظام صحي متخلف، نظام أمني شكلي، أليس من الغباء أن نصرف جهودنا وننقب في التاريخ لنثبت أن رئيس البرلمان الحالي والموظف السامي السيد مسعود ولد بلخير لم يعين مباشرة بعد تخرجه؟ ماهذا السرطان الفكري الذي أصاب هذا النوع من الكتاب؟ حتى يكتب عن موقف تمييز مزعومٍ مورس ضد من أصبح من أسمى موظفي الدولة الحاليين ورئيس إحدى السلطات العليا في البلاد؟ أليس عمى الألوان هذا عنصرية؟ ألم يشاهد كاتبه ماتعيشه بلادنا من ظلم مجحف في حق جميع أبنائها بيضا وسودا؟ ألا يسعى هذا النوع من الكتاب إلى تعميق الجرح ونبش قمامات الماضي؟
لا أشكّ في أن جنوح بعض الكتاب المغمورين للكتابة بأسلوب عنصري مقيت يرفض صاحبه التعايش، لن يخفف من حدة معاناة لحراطين التي تخنقهم كجميع المواطنين البسطاء في هذا البلد للأسف، ولكنني أنبه العقلاء من هذه الشريحة والمدافعين بصدق عن قضاياها أن المعضلات لاتحل بين عشية وضحاها، وأن النضال طريق تراكمي طويل، لن يبلغ نتائجه المتزلفون الانتهازيون الباحثين عن مغانم ذاتية آنية، ولا ينكر أحد ماتعانيه هذه الشريحة من تخلف ومعاناة مضاعفة، ولكن حلها في التكافل والتعاضد، والتخطيط لاستراتيجي لتنمية آدوابه والتجمعات التي تشكل بؤرا للمعاناة والتخلف للأسف، فلن يتقدم الوطن إلى إذا تقدم بجميع أبنائه، لن يصلح الوطن إلا إذا صلح لجميع أبنائه، ويد واحدة لاتصفق كما في المثل الشعبي.
ما الذي يهدف له كاتب يسعى علنا لتفريق المجتمع وزيادة جروحه؟ ألا يقرأ هؤلاء التاريخ؟ لِمَ لم يتعلموا من نيلسون مانديلا؟ الذي وقف ربع قرن أمام الظلم ثم خرج لايحمل حقدا على أحد، ألا يتعلم هؤلاء من قيم دينهم؟  ماهو الحل في نظرهم؟ أن يوقدوا حربا يخسر فيها الجميع؟ ماهي حلولهم المقترحة غير سبّ الآخر وشتمه؟  هل ستحل معاناة لحراطين بسب البيضان ولعنهم؟ فليوقدوا شمعة بدل لعن الظلام، فليقوموا بتعليم هذه الشريحة، فليقوموا بجمع التبرعات لها من الموسرين، فليبنوا المساجد لها، وليؤسسوا المدارس، لكن هيهات أن يقبل ممولوهم صرف أموالهم في نشاطات هادفة حقا كهذه، هيهات أن ينتزع أمثال هذا الكاتب اللقمة من أفواههم ليضعوها في أيدي الفقراء، ليس معنى التعايش أن تحل جميع المشاكل، بل معناه أن يتنازل البعض للبعض، أن نؤجل بعض المشاكل لنحل مشاكل أخرى أكثر إلحاحا، فمشكلة تعليم آدوابه أكثر إلحاحا من ترقية أستاذ فلسفة، ومشكلة إصلاح التعليم أولا أهم من تعميمه فتعميم تعليم فاسد لاتحل المشاكل بل تفاقمها، هكذا نفكر نحن دعاة التعايش، لا ننكر المشاكل ولانقزمها، ولكننا نبحث عن حلول جذرية شاملة، مستعدون للتنازل عن حقوقنا في حديقة عامة في نواكشوط لتبنى مدرسة في أمبود، ولكن هل من مستجيب، حقوقنا نحن تؤكل وتنهب كما تنهب حقوق البسطاء في تنبدغة.
يجب أن نعي أننا حين نزيح الظلم الذي تمارسه جميع الأنظمة على أغلبية المواطنين فسوف ننجح في تعميم التنمية، وحين نهزم شبح الفساد فسوف ننعم برخاء العدل الشامل، لاتستطيع دولة أن تكون عادلة تجاه فئة دون فئة، هل يشيد النظام شوارع للبيضان أو الزنوج؟ هل يداوي البيظان في نظام صحي راق؟ نحن جميعا نعاني فلنقف جميعا في وجه الظلم ولنعد ترتيب أوراقنا.
المختار ولد الشيخ.