الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

موريتانيا في عين الإعصار: ويتسارع الدوران.


أولا: أنا والسيد محمد فاضل، الحديث ذو شُجون
يعاني المثقف الموريتاني من حالة تواضع عفوية مُفرطة، ربما اكتسبها من مسحة التصوف الذي كان شائعا في البلاد، أو ربما تربى عليها في أحضان المحاظر التي تُـفتـتـَحُ جلّ كتبها بسيل تواضع هادر، يكاد يبعث فيك الرغبة في التخلي عن دراسة الكتاب، لما وصف المؤلف نفسه به من قصور الباع وقلة العلم، ولكنك لاتلبث أن يُدهشك كاتبه بقدرته العجيبة بما سطره بعدتلك المقدمة التواضعية من علم نفيس.
وهذه الدهشة لم تحدث لي مع الكاتب والباحث المحترم الأستاذ: محمد فاضل ولد السيد ولد امصبوع، في مقاله الأخير، مع تواضعه الجم، وماذاك إلا لعدم توفر عنصر المفاجأة، فالكاتب معروف وله صولات وجولات يعرفها كل متصفح لصحفنا المسودة حياء من خلوها من الفائدة، وسُوح مواقعنا القفر من الكتابات العميقة الرزينة ككتاباته.
ولذلك قرأت مقاله الأخير بتعمق يليق بثقل الكاتب ومكانته، وراجعت عملا بنصيحته مقالي ومقاله، فوجدته يؤكد ويوقع على صحة الوصف أن موريتانيا في دوامة إعصار وفي وجه عاصفة، أما كون حدة سرعة الإعصار خفت قليلا بعد وصول النظام الحالي إلى السلطة فهذا أمر لامراء فيه ولاجدال، ولكنها اليوم تسير نحو المجهول بخطى أزعم أنها متسارعة.

وإليك أيها الأستاذ الفاضل تلك الأشياء الخصوصية غير المهمة، التي أثارت فضولك: بخصوص الصورة الشخصية فلا تتوفر لدي صورة ألكترونية حاليا، وأنا موريتاني أفتخر بانتمائي لشنقيط(موريتانيا ما قبل الاستقلال)، وأزعم أنني مواطن صالح، ودافع ضرائب ملتزم، رغم أن لا أملاكَ تذكر لدي، وحامل شهادة علمية عليا عاطل عن العمل، أقلب كــفيّ كل يوم على ما أنفقتُ فيها من سِـنِي عمري الثمينة، سنين عددا بددتها طلبا للعلم، أيامَ كنتُ جاهلا أنني في بلد يغتالُ فيه الجوع والفقر، أما الجهل فيه فهو نعمة، لأنه، على الأقل، يقلل من إحساس المرء بالغبن والظلم، ويـبلـّـد مشاعره، فرهافة الحس وسلامة الذوق في بلد كبلدي مصيبة عظيمة، بالكاد أدبّر أمري في دولة النظام الحالي الذي تصفه بالعدل، عدلٌ أرجو أن يصلني مالم تكن تعني ذلك العدل الذي شرب المواطنون جميعا من كأسه الزعاف، فأفّ له من عدلٍ يوزع كالحقن غصبا.
أما بخصوص سؤالك لِمَ لمْ أكتب قبل اليوم؟ فلا أظنه يعنيني لأنني في المقام الأول لست من فئة المثقفين المؤثرة، من أمثال الأستاذ باباه عبد الله، الذي أعيد أنا هنا طرح السؤال عليه، كما طرحته في مقالي السابق، أين أنت يا أستاذ باباه ـ ومعك أغلبية المثقفين الصامتة ـ  من قضايا الوطن الكبرى؟ أما عن العبد الضعيف فإنني أكتب منذ عام 2005 على صفحات بعض الصحف الوطنية، وآخر مقالة لي بين تأليه وشيطنة الرئيس، نشرت قبل أسبوعين، وأنا عاذرُ لك أن لاتكون قرأت لي يوما يا أستاذ  محمد فاضل، ففي أغلب الأحيان لاتنشر مقالاتي إلا على موقع وحيد:موقع أقلام حرة مشكورا، فقد ضاقت صفحات المواقع الأخرى رغم اتساعها عن حرفي، وامتلأت رغم خوائها وقالت قطني قد امتلأت من الآراء بطني.
ثانيا:سؤالُ: أينَ نحنُ؟ جنوحٌ عن أسئلة الوطن.
لا يُستساغ إطلاقا تحت أي ظرف أن يتناول المثقفون موضوع تقدم دولة مصنفة في العالم الثالث أو تأخرها، لأن تأخر وتخلف بلدٍ أيا كانَ ـ أحرى كبلدنا للأسف ـ أمر مفروغ منه، ولا يحتاج لسوق الأدلة، ولايخفى على عاقل، ولا يقبله ذو ضمير حي، والموالي المحترم للنظام والمتحيز له لايجد ما يدافع به عن نظامه إلا وصف المعارضة بالمبالغة والتشويش الإعلامي المغرض على عمل الحكومة، إذ أن المعارضة نفسها ليست مصدر التوتر والانسداد المتزايد في الأفق السياسي في البلاد، بل إنها تستخدمه وتجمعه في سلتها، فغاية ما يستطيع الموالي وصف المعارضة به أنهم: جَمّاعــوا حطب، ويبقى مقرا في الأخير أن ماجمّعوه حطبٌ مشتعلٌ.
فماذا ستقول لمظلوم يتظاهر طلبا لحقه الذي انتزعه مسؤول سام من فمه؟ أتقول له أنت كاذب تتظاهر وتتكبد عناء الصبر في الشمس فقط لأنك معارض، أم تقول إن ذلك المسؤول سيحاكم وأن النظام لايجير الظالمين؟وتطمع أن يصدقك هكذا بسذاجة؟ وبماذا ستجيب مكونا اجتماعيا تتظاهر عناصره لأن ابنهم حبس؟ بأن الدولة أصبحت عادلة فجأة وأن القضية تعني القضاء ولا دخل للنظام فيها؟
هناك أجوبة جوفاء فارغة أكثر خواء من الصمت نفسه، لا أحد سينام في حضن دبّ شرس مهما تقسم أنه أرنب وديع، بمعنى أدق:عندما تسير الدولة بعدل حقيقي، أقسم لكم أنه لن يتظاهر مواطن ضد تطبيق القانون في أهله ونفسه، عندما تصبح مشافينا على مستوى عال من الفاعلية والحيوية سوف لن نرى أحدا يسافر للخارج يتلف أمواله للدواء، عندما يجد الطالب فور تخرجه فرصة للعمل سوف لن نقول إن نظامنا التعليمي فاشل، عندما تصب غيوم الخريف المثقلة ماتصب فوق رؤوسنا ثم ننظر ولانرى البرك المائية كالبحر تحتنا حينها فقط نكول إننا نملك صرفا صحيا، حين نجد الحدائق العمومية تنشأ تباعا نقول إننا في الاتجاه السليم.
في بلد كوطني، أرى أن لا وقت لدى المثقف المحترم ليكتب إثباتا على تخلف الدولة وتأخرها، فمباحث المثقف وأسئلته التي يلح الوطن في طرحها عليه أخطر وآكدُ من هذا السؤال القاعدي، والذي لن يكون المرءُ مثقفا أصلا إلا إذا أدرك ببساطة إجابة السؤال الأولي: أين مقعد وطني في مصافّ الأمم؟ وسيدرك إن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، مدى تخلف وطنه الجريح المقعد،;ويعرف أن موريتانيا في قلب الإعصار منذ استقلالها إلى اليوم، وعليه أن يكتب حينها رده على السؤال التنموي: كيف نرفع من شأن بلادنا؟
ثالثا:السؤال المطروح: ماذا نريد وأين طريق التنمية؟
    ليت الوطن كان جميلا معبّد الطرق به حدائق ذات بهجة، ليته كان به أطباء مخلصون ومعلمون بررة ومحامون صادقون، ليت لنا نظاما يسهر على مصالحنا بشفافية، ليت لنا حكومة تعترف بأخطائها فنحاسبها، ليت لنا برلمانا يعرف شيئا غير الكلام اسمه الفعل ورد الفعل، ليت لنا شرطة يقظة تسهر على حمايتنا وتدفع رواتبها المجزية من ضرائبنا، ليت لنا بلدية حية تميط الأذى عن طرقنا، ليت لنا أملا نعيش عليه حتى ننام بلا أرق، كل هذه الأمنيات لن تتحقق بين عشية وضحاها سوف تتحقق بالتضحية والعمل الجاد الشاق من جميع أبناء البلد، لكن هناك ثلة قليلة من المواطنين هي المفتاح، هي الطريق هي الخطوة الأولى، إنهم عازفو جوقة التقدم والنجاح والنمو، إنهم معلموا الأمة، إنهم ملهموا الشعب، أعني أولي الأمر منا، أهل الحل والعقد، أهل القيادة والرئاسة، من أوتوا حظا من العلم من أوتوا حظا من المال، من أوتوا حظا من السلطة، هؤلاء وأولئك هم من يتولى كـِبر الفساد في الدولة، هم من يستطيع أن يقود سفينتها لبر الأمان، فليصلحوا أنفسهم تصلح بهم الأمة.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.....و لا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت....وإن توالت فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة الناس أمرهم..... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا.
المختار ولد الشيخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق