الخميس، 19 ديسمبر 2013

موريتانيا فى عين الإعصار: لحظات قبل اللعنة

الأربعاء 13 شباط (فبراير) 2013

المختار ولد الشيخ
أستاذنا البارز باباه سيدي عبد الله، اسمحلي أن أضع توقيعي على مقالتك الأخيرة سطرا سطرا، وحرفا حرفا، فلقد رسمت الحقيقة عارية، ولقد أسمعت لو ناديت حيا، وأرجو وآمل أن تلامس كلماتك بقية الضمير في نفوس القراء الكرام، قبل أن يلعننا أبناؤنا حين يسيقظنون وهم في مجاعة لا يملكون من علوم الزراعة الحديثة مايرفعونها به، أو حين يدركون أنهم في جهل عميق بالتقنيات كل التقنيات السلمية والحربية، فيلعنون من كان السبب في هذا، أو حين تنتشر بينهم أمراض بدائية بالكاد مازال العالم يذكر أسماءها، أو حين يستيقظون على شركات متغولة تفتك باقتصادهم الهش وتمن عليهم بفتات موائدها، مسقبل لاشك مظلم ما نبنيه لأبنائنا، أين المدارس التي ستعلمهم؟ أين المستشفيات التي ستعالجهم؟ أين المنتزهات التي تسمح لهم بالاستجمام الآمن؟ أين الطرق التي عبدنا من أجل غدهم؟
الأستاذ باباه عبد الله يقع على عاتقك وأقرانك من المثقفين الواعين التنبيه والإنذار، فالمثقف كسب ثقافته كما كسب التاجر ثروته من عرق المواطنين البسطاء، فكم من أستاذ مبخوس الأجر كتب ومحى من أجل أن يتعلم، وكم من أم بسيطة طبخت وغسلت ليتعلم، وكم من أب مسكين ناضل وكافح ليتعلم، فالمثقف نسيج وطني نسجته المقادير والحظوظ، ليس المثقف إنسان القوقعة ينكفئ على مئاربه الشخصية كما ينكفئ الجاهل على نفسه، إن حقوق هذا الشعب التائه عليكم أيه السادة المثقفون عظيمة لو تعلمون.
إنني أشك في أن معارضتنا الهزلية أو نظامنا الكرتوني سيكون بيد أحدهما مفتاح النجاة، مالم نفهم أن المعارضة والموالاة مفاهيم نشئت وتطورت كأدوات للتعبير عن الرأي أولا وأخيرا، فلن نبرح المربع الأول، ليست المعارضة أداة للوصول إلى السلطة وليست الموالاة وسيلة للبقاء فيها، إلا في بلادنا المختلة الموازين.
ألا تغالطنا الموالاة حين تصف نفسها بدعم برنامج الرئيس؟ فهل يسيّر الرئيس البلاد أصلا على أساس برنامج محدد؟ ألا يحيد عن البرنامج قيد أنملة؟ لِمَ لمْ نسمع أية نقد أو مراجعة داخلية في الموالاة للرئيس وحكومته؟ ألا يخطئ المسؤولون في عهدكم الميمون؟ ماذا تدعم الموالات رغم الغياب التام للتفكير العميق والتخطيط الاستراتيجي لدى النظام؟ هل تدعم هذه الحملات التي يقوم بها النظام كأنها غزوات في القرون الوسطى؟
ألا تكذب المعارضة حين تصف نفسها بأنها معارضة ديمقراطية؟ كيف تسعى للشراكة في الحكم وهي معارضة؟ أليس لديها دور آخر تلعبه غير السعي الحثيث للسلطة والتخطيط للانقضاض عليها؟ أين مشاريعها المجتمعية؟ أين كشفها لمواطن الخلل في الدولة؟ أين أطروحاتها المقترحة لحلول المشاكل المعقدة التي تربك النظام؟
كل شيء مشوه في هذا البلد: الطبيب الذي نتوقع أن يكون ينبوع رحمة هو مصدر عناء ونكد عابد للأوقية، الأستاذ الذي يتوقع أن يكون مدرسة أخلاق وقيم هو مسخ عديم الهوية عابد للأوقية، المحامي الذي تكون على الدفاع عن المظلومين ورفع الضرر عنهم هو ظالم غاشم عابد للأوقية، التاجر الذي نظن أن إرضاء الزبون هو همه الأول هو في الحقيقة عدو الزبون الأول يدس له الدسائس ويدير عليه الدوائر عابد للأوقية، الصحفي الذي كان همه التنقيب عن الحقيقة النافعة وبثها بين الناس نجده يعبث في أعراض الناس يغطي الحقائق حين لاتخدم مصالحه عابدا للأوقية.
فلماذا يعرف الموريتانيون أكثر من غيرهم عن الدين والأخلاق وهم أقل الناس عملا بالمبادئ؟ لماذا نعيش أزمة أخلاق حادة مع ثرائنا العلمي؟ في نظري أننا في اللحظات الأخيرة قبل أن تكتب على هذه البلاد لعنة تاريخية لن تنمحى مالم تنقسم على نفسها أو تشتعل فيها حرب تغسل أقذارها.
وأبسط شيء نقوم به اتقاء لهذه اللعنة التي تظل رؤوسنا أن نوقظ ضمائرنا من سباتها العميق، أن نقول الحق، أن ننكر المنكر، أن نقول للسارق ياسارق، أن نقول للكاذب يا كاذب، ولو كانوا آباءنا أو إخواننا أو عشيرتنا، فالحق والعدل هو عشيرة المؤمن الصادق وأهله.، إني لأعجب كيف يغيب عن عامة المسؤولين في بلد مسلم عميق الاسلام استشعار المسؤولية ألسنا كلنا رعاة؟ وكلنا مسؤول عن رعيته، لو استحضرنا قوله تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (*) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ لعرفنا أن المهندس الذي يجهز البنيات بمواد لاتدوم إلا أياما سيسأل، والطبيب الذي يصف علاجا لسبب تجاري سيسأل، المثقف الذي لايكتب إلا حين تمس مصالحه سيسأل، والأستاذ الذي لاينصح إلا لدافعي الدروس الخصوصية سيسأل، كما سيسأل الرئيس عن كل مواطن لم يجد قوته فترك تعلم أساسيات القراءة ليطلب قوته، وسيسأل عن ذلك البائس الفقير لما ألم به مرض عضال في نواحي تنبدغة فلم يسعفه ولم يرسل ناقلة عمودية هوائية لنقله، سيسأل عن الطينطان الذي اجتاحته السيول لم لم يقم بدراسة قبل حدوث الكارثة، سيسأل عن أطفال الركيز لم حقنهم ممرضون في دولته بمواد مخدرة قاتلة؟ سيسأل عن عائشة الصبية التي دهستها سيارة مسرعة قبل يومين لِمَ لمْ يحمها ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق