الأحد، 22 ديسمبر 2013

أزمة مجتمع (1) الحصاد المر

أزمة مجتمع (1) الحصاد المر/د. الحسين ولد الشيخ العلوي(دراسة) 2013-12-22 11:31:00


JPG - 20.4 كيلوبايت
د. الحسين ولد الشيخ العلوي
اعتادت شعوب العالم أن تحتفي باليوم الوطني بنشوة غامرة وحبور لافت كتعبير عن الانتماء لوطن تفخر وتعتز به وتبالغ بعض الشعوب في الحديث عن انجازاتها الحضارية دون أن ينتقص ذلك من أهمية المناسبة لكن أن يتم التغني والتباهي بمنجزات وهمية لا أساس لها علي أرض الواقع فتلك سابقة وخصوصية ننفرد بها نحن الموريتانيون دون سوانا من الشعوب!
الدولة الموريتانية ولدت خديجا غير مكتمل النمو في عملية قيصرية شكلت تحديا تاريخيا لسكان هذا الإقليم الذي سمته فرنسا بموريتانيا في محاولة لاقتطاع هذه الدولة عن سياقها التاريخي كنشاز في منطقة تشكل امتدادا استراتيجيا لفرنسا ومع هذا انبري ثلة من الرجال الاستثنائيين الذين تنكر لهم التاريخ والأحفاد لبناء الدولة الخديج فشرعوا من تحت خيمة في وضع أسس دولة موريتانيا.
عند إدراك ظروف النشأة وما اكتنفها من تحديات ورهانات يجعلنا ندرك كم كان الآباء المؤسسون رجال دولة استثنائيين حيث قدموا وطيلة عقدين من الزمن نموذجا يحتذي به لتحويل المجتمع من حالة البداوة الي ما يشبه الدولة علي المستوي الوجداني والعقلي عبر سياسات التأسيس المرحلي التي كانت سائدة عالميا في وقت كانت وتائر التنمية فيه تسير بخطي وئيدة متباطئة في العالم برمته حتى العسكر الذين أطاحوا بالحكم المدني صبيحة العاشر من يوليو 1978 حافظوا علي الشكل العام للدولة الخديج حتى العام 1984.
إلا أن التراكم المعرفي الهائل الذي عرفه العالم في مطلع ثمانينات القرن المنصرم وصل حد الفيضان حيث غدت المفردة العلمية تتجدد كل سبع ثواني! في حين كان يلزم لحدوث ذلك عقود من الزمن ( عشرات السنين) خلال القرون الخمسة الماضية والمسماة بالعصر الحديث ووصل دفق المعلومات كمًا يصعب معه الحصر أو الإحاطة هذا المعطي المعرفي الذي مهد لثورة المعلومات الهائلة التي شهدها العالم في تسعينيات القرن المنصرم غيرت من مفاهيمنا وأحدثت قطيعة ابستيمولوجية مع ماضينا المعرفي وأوجدت عالما متسارع الأنفاس ومتلاحق الأحداث ولا مكان فيه للمتروي أو من لا يجاريه في سرعته الشيء الذي أفضي الي آليات جديدة لإدارة الدول والكيانات الاقتصادية واستدعي وجود تفكير مغاير للإدارة والحكم والتنمية إلا أن الملاحظ في الحالة الموريتانية وكأن كل شيء قد توقف عند العام 1984.
لن أغالي في جلد الذات أو التباكي علي الفرص المهدرة التي لم يحسن قادتنا ونخبتنا السياسية والثقافية في اغتنامها لما يزيد علي نصف قرن من الزمن ولن اكتفي بالنقد والسخط والتبرم علي الواقع المتردي كما اعتادت كتابات اليوم بل سأقوم بما يفعله نظرائي من المفكرين الاستراتجيين والنخب الثقافية في العالم التي لا تكتفي بالعويل والصراخ بل تقدم الحقيقة عارية دون رتوش أو تلميع حتى وان كانت مؤلمة وقاسية ومروعة كتشخيص موضعي ومن ثم المحاولة في تقديم تصور معرفي للنهضة وسبل الانطلاق كمساهمة مني في تقديم مشروع مجتمع مع غيري من مثقفي موريتانيا الذين يعيشون عصرهم ويستلهمون معطياته.
الدولة: الحصاد المر
آن الآوان علينا كموريتانيون ان نقر بحقيقة مرة نأبي الاعتراف بها وأن نتوقف عن اعتبار أن ما لدينا دولة, فالتعريف الكلاسيكي للدولة باعتبارها شعب وحكومة وحوزة ترابية أضحي جزءا من الماضي فكل المعطيات والمؤشرات علي ارض الواقع يشير بجلاء أننا ومنذ ما يزيد علي نصف قرن لم نتعدى مرحلة مشروع دولة ,هذا الإقرار سيجعلنا ندرك حجم التحدي الذي يواجهنا في عالم متسارع الأنفاس ويسير بوتيرة فلكية وأن نضع الأسس اللازمة للشروع في عملية البناء التي تأخرت كثيرا بعقلية جديدة تواكب معطبات العصر وباستخدام آليات التفكير الاستراتيجي بعيدا عن السخف والعبثية التي تطبع مسيرتنا السلحفائية.
منجزاتنا طيلة ستة عقود ونصف من نشأة الدولة الموريتانية تقدم حقائق صادمة ومروعة حيث وبالاستعانة بالإحصائيات الشحيحة حول موريتانيا نجد أن:
• نصيب الفرد من الناتج الداخلي 1110 دولار أمريكي.(الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 2800 إلي 6700 دولار أمريكي).
• تبلغ نسبة الفقراء في موريتانيا 46% ﻣــﻦ السكان وهو الأعلى عربيا والتاسع عالميا.
• يعيش حوالي 20 ٪ من السكان على أقل من 1.25 دولار في اليوم. (الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 5.12 إلي 8.70 دولار أمريكي)
• يرزح 10 ٪ إلى 20 ٪ من سكان موريتانيا تحت حياة العبودية بصورة من الصور أي من 340000 إلي 680000 نسمة. وهي الأعلى عالميا
• موريتانيا ضمن دول القائمة السوداء لعمالة الأطفال (16 دولة) حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية للمنظمات الحقوقية العاملة في موريتانيا إلي أن من 8% إلي 27% من الأطفال تحت سن 12 يجبرون علي ممارسة أعمال لا تتناسب مع أعمارهم.
• تحتل موريتانيا المرتبة 48 في قائمة الدول 66 المتاجرة بالبشر والوجهة المفضلة هي الخليج العربي.
• موريتانيا تملك مساحات أراضي زراعية تقدر بنصف مليون هكتار أي نحو مليون ونصف مليون فدان، منها 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال ونحو 240 ألف هكتار تروى بمياه الأمطار أما الباقي فيروى بمياه السدود، يعمل في القطاع الزراعي نحو 60% من إجمالي القوى العاملة الموريتانية مع ذلك فموريتانيا تستورد 70% من حاجاتها من المواد الغذائية(للعلم نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية تكفي لإطعام 12مليون شخص بالطرق البدائية و35مليون بالطرق الزراعية الحديثة).
• تمتلك موريتانيا 18مليون رأس من الماشية ومع ذلك لا تمتلك صناعة حقيقية قائمة علي هذا المصدر.
• تمتلك موريتانيا 2.4 مليون نخلة تشكل نسبة 3.4% من نخيل العالم ومع هذا لا توجد صناعة قائمة علي هذا المنتج ولا تصدر موريتانيا التمور للأسواق الخارجية في حين أن تونس التي تمتلك 1.76 مليون نخلة وتصدر 35% من تمورها للأسواق الخارجية تدر عليها ضعف ما يدره خام الحديد علي موريتانيا(أهم مصدر للدخل في موريتانيا).
• حسب تقرير لجنة الخبراء السنوي رقم LCTU67893 في المنظمة الدولية للسياحة الصادر في 23 أكتوبر 2012 أن موريتانيا تمتلك كل المقومات لتكون الدولة الرابعة عالميا في مجال السياحة الصحراوية (للعمل عائدات السياحة الصحراوية في الدولة رقم 5 عالميا الأردن هو 3.1 مليارات دولار سنويا أي سبعة أضعاف عائدات حديد موريتانيا).
• في موريتانيا 713 صحيفة ومجلة المرخص منها 390 (للعلم في سوريا 194 صحيفة ومجلة منذ العام 1830 و حتي العام2011 وعدد سكانها يزيد علي العشرين مليون نسمة).
• في موريتانيا 34 حزبا سياسيا(للعلم في الولايات المتحدة 6 أحزاب الفاعلة منها حزبان فقط).
• موريتانيا وبعد 63 سنة من الاستقلال 5% من سكانها لازالوا بدو رحل.
• 12% من سكان موريتانيا لا يتمتعون بسكن و 88% الباقية يسكن 79% منهم في مساكن غير لائقة ولا تتوفر علي ابسط سبل العيش الكريم.
• استهلاك موريتانيا السنوي من الكهرباء 230,6 ميغاوات (للعلم يستهلك قطاع غزة وهو تحت الحصار الخانق 450 ميغاوات).
• 18.8% من الموريتانيين يتمتعون بخدمات الكهرباء.
• الأسر الموريتانية التي تحصل علي خدمات الماء الصالح للشرب 43.7%.
• موريتانيا تصدر متوسط 95 ألف طن من السمك سنويا يدر عليها 303 مليون دولار في حين أن ماليزيا التي تصدر 37 ألف طن سنويا يدر عليها 4 مليار دولار.
• موريتانيا التي تعتبر احد الدول المصدرة للسمك لاتتوفر علي صناعات سمكية حقيقية.
• يبلغ إنتاج موريتانيا من خام الحديد 12 مليون طن سنويا وبعائدات سنوية تتراوح من 435 إلي 550 مليون دولار أمريكي في حين أن مصر التي تنتح اقل من مليوني طن سنويا تتحصل علي عائدات تفوق مليار دولار أمريكي.
• تحتل موريتانيا المرتبة 150 عالميا بعد فلسطين في قائمة الطرق المعبدة في عموم البلد بـــــ5147 كيلومتر من الطرق المعبدة, أنشأ 46% منها في حقبة الرئيس الراحل المختار ولد داداه (للعلم مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة 6247 كلم مربع) مساحة موريتانيا تعادل 165 ضعف مساحة غزة والضفة الغربية ويبلغ عدد الطرق المعبدة في مالي 18709 كلم وفي النيجر 18550 كلم.
• تحتوي موريتانيا علي أهم المعادن التحويلية كالحديد والنحاس والجبس والذهب ومع هذا لا يوجد بها مصنع واحد قائم علي هذه الخامات.
• الأمية تصل في موريتانيا إلي أرقام قياسية حيث43% من السكان يقعون في هذه الخانة.
• متوسط العمر في موريتانيا 51.24سنة للذكور و55.85 سنة للإناث وبهذا تحتل موريتانيا المرتبة 187 في قائمة دول العالم البالغة 221 دولة.
• ميزانية موريتانيا البالغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة هي 977 مليون دولار وهذه الميزانية بالكاد تعيل ربع مليون نسمة في ظروف تقشف صارمة.
• عدد المستشفيات الكبيرة في عموم موريتانيا 2 والعيادات المجمعة 1 وعدد المستشفيات المتخصصة 4(مستشفي إمراض القلب ومستشفي الإمراض النفسية ومستشفي السرطان ومستشفي الأم والطفل ) وكلها بدائية وخدماته من فئة F-.
• عدد الأطباء المتخصصين 220 وعدد الأطباء العامون 300 وعدد العاملين في القطاع الصحي 1200 طبيب وممرض وفني بمعدل طبيب لكل 10000 نسمة وهو المعدل الأدنى عالميا وقد حددت منظمة الصحة العالمية بان الحد الأدنى لتوفير خدمة الكفاف الطبية هو 23 طبيب لكل 10000 نسمة.
• يبلغ عدد المدارس 4189 مدرسة في موريتانيا. 6 منها فقط تنطبق عليها مواصفات المدرسة بمعايير العالم الثالث.
• تبلغ نسبة البطالة 33% من القوي العاملة 95% منها شباب.
• 5000 من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا وحوالي 1000 منهم من حملة الماجستير والدكتوراه.
• موريتانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك شبكة صرف صحي.

أزمة مجتمع

لغة الأرقام أعلاه تقدم حقائق صادمة ومروعة عن حجم الهشاشة وإهتراء ما يسمي بالدولة الموريتانية ويؤشر إلي غياب شبه كلي للخدمات الضرورية لأي تجمع حضري مما يعني أن عدم الإحساس بهذا المأزق الوجودي لدي النخبة السياسية والثقافية لدليل واضح أن أزمة موريتانيا هي أزمة مجتمع بالمقام الأول وليست أزمة سياسات حكومية آو برنامج سياسي انتخابي.
تساوقا مع ما ورد أعلاه أري أن حرص المعارضة وجل النخبة السياسية علي التركيز علي الشأن السياسي كالتداول السلمي للسلطة والانتخابات والدستور تعتبر ضرب من الترف الفكري وخبل في الفكر وشطط تأباه الفطرة السوية, فمجتمع يعاني غالبيته من الفقر حد العوز والحرمان والجهل وتحاصره الأمراض من كل حدب وصوب لا يمكن أن يحل مشاكله بالديمقراطية التي في ظل العقلية السائدة المتخلفة ستمعن في تجذير تخلفه.
ما تحتاجه موريتانيا هو طبقة سياسية جديدة ذات فكر استراتيجي و تدرك آليات وسبل بناء الدولة في عصر العولمة بفكر مغاير لما هو موجود والعبء هنا يقع علي النخبة المثقفة التي ينبغي عليها أن تشعر الشعب الموريتاني بخطورة الوضع الكارثي.
موريتانيا تحتاج لمن يدرك إنها في أمس الحاجة إلي خطة مارشال مستعجلة لانتشال المجتمع من وهدة التخلف والجهل والمرض والفقر, موريتانيا تحتاج إلي رجالات دولة أفذاذ من طراز مهاتير محمد يتسلحون بالعلم ويضعون خطط تنموية بآماد زمنية محددة مع توظيف كل السبل المتاحة لتوفير الرساميل اللازمة للتنمية دون إبطاء.
القنابل الموقوتة كالتطرف الديني وانجرار شريحة عريضة من الشباب وراء الجريمة المنظمة وعالم المخدرات والشرخ الذي يزداد اتساعا مع الأيام للوحدة الوطنية مرده انسداد الأفق وغياب مشروع مجتمعي يلتف حوله كافة مكونات المجتمع الموريتاني. غياب الدولة وتقاعسها عن أداء واجبها تجاه المواطنين هو المسئول عن ظاهرة التسول السياسي حيث استشري الفساد وتدني حس الانتماء إلي الوطن وفقدان بوصلة التوجيه لدي الشباب والناشئة.

سبل الحل

عندما استمع إلي خطب الرؤساء الموريتانيون وأتتبع سياساتهم علي المستوي التنموي أحس وكأنهم لا يفقهون كثيرا في السياسة وأنهم يتصرفون بعقلية شيخ القبيلة في العصور الغابرة ويعتصرني الألم والقهر عندما استمع لسياسيينا معارضة وموالاة فأحس وكأنني أمام أجداث محنطة فغياب الرؤية وعدم إدراك حجم المأساة والتكالب علي المناصب واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها كلها مؤشرات تنم عن مدي تخلف طريقة تعاطيهم مع الشأن العام.
عندما استمع لسياسي موريتاني أو مثقف يتحدث أحس وكأن عجلة الزمن توقفت عند مضارب بني عبس وقطفان وحمير وذبيان.
منطق التخطيط الاستراتيجي يقول بجلاء أننا أمام مجتمع يحتاج لبنية تحتية كاملة وعلي كافة الأصعدة فكيف السبيل إلي ذلك؟.
لابد من تكوين خلية أزمة مكونة من اختصاصيين موريتانيين في كافة الشؤون التنموية وهم كثر في المراكز البحثية العالمية ومنهم من يساهم بفعالية في تحديث مجتمعات أخري تقر بموهبتهم وتقدر عقولهم النيرة وفي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان والصين وماليزيا استراليا ودول الخليج العربي مئات من الباحثين الموريتانيين ومن العيار الثقيل هؤلاء هم من سيبنون موريتانيا حقا لأنهم عايشوا عالم اليوم المتسارع الوتائر واللاهث في سباق محموم لا هوادة فيه.
أولا : تحديد سلم الأولويات
ثانيا: ضرورة القيام بدراسات مسحية استقرائية للوقوف علي الاحتياجات والمتطلبات ووضع خطة استعجالية سقفها سنتان وأخري مداها 5 سنوات.
ثالثا: سبل توفير الرساميل اللازمة لإنشاء البنية التحتية المطلوبة
رابعا: حملة تحسيس شاملة تستهدف إشراك كافة مكونات المجتمع في عملية البناء. سلم الأولويات
بالنسبة لدولة سكانها 3.5 مليون نسمة ومساحتها تفوق المليون كلم مربع وتحتاج لبنية تحتية شاملة علي كافة الصعد فإن سلم الأولويات ينحصر في:
1. قطاع الصحة.
2. الزراعة.
3. الاسكان.
4. التعليم.
5. الكهرباء والمياه.
6. المواصلات والطرق.
7. الخدمات البلدية.
8. الحالة المدنية.
9. الجاليات في الخارج.
10. الدبلوماسية الخارجية.
يتبع إن شاء الله
د. الحسين ولد الشيخ العلوي
01/12/2013
الحمامات / تونس elallawy@yahoo.com

الخميس، 19 ديسمبر 2013

موريتانيا فى عين الإعصار: لحظات قبل اللعنة

الأربعاء 13 شباط (فبراير) 2013

المختار ولد الشيخ
أستاذنا البارز باباه سيدي عبد الله، اسمحلي أن أضع توقيعي على مقالتك الأخيرة سطرا سطرا، وحرفا حرفا، فلقد رسمت الحقيقة عارية، ولقد أسمعت لو ناديت حيا، وأرجو وآمل أن تلامس كلماتك بقية الضمير في نفوس القراء الكرام، قبل أن يلعننا أبناؤنا حين يسيقظنون وهم في مجاعة لا يملكون من علوم الزراعة الحديثة مايرفعونها به، أو حين يدركون أنهم في جهل عميق بالتقنيات كل التقنيات السلمية والحربية، فيلعنون من كان السبب في هذا، أو حين تنتشر بينهم أمراض بدائية بالكاد مازال العالم يذكر أسماءها، أو حين يستيقظون على شركات متغولة تفتك باقتصادهم الهش وتمن عليهم بفتات موائدها، مسقبل لاشك مظلم ما نبنيه لأبنائنا، أين المدارس التي ستعلمهم؟ أين المستشفيات التي ستعالجهم؟ أين المنتزهات التي تسمح لهم بالاستجمام الآمن؟ أين الطرق التي عبدنا من أجل غدهم؟
الأستاذ باباه عبد الله يقع على عاتقك وأقرانك من المثقفين الواعين التنبيه والإنذار، فالمثقف كسب ثقافته كما كسب التاجر ثروته من عرق المواطنين البسطاء، فكم من أستاذ مبخوس الأجر كتب ومحى من أجل أن يتعلم، وكم من أم بسيطة طبخت وغسلت ليتعلم، وكم من أب مسكين ناضل وكافح ليتعلم، فالمثقف نسيج وطني نسجته المقادير والحظوظ، ليس المثقف إنسان القوقعة ينكفئ على مئاربه الشخصية كما ينكفئ الجاهل على نفسه، إن حقوق هذا الشعب التائه عليكم أيه السادة المثقفون عظيمة لو تعلمون.
إنني أشك في أن معارضتنا الهزلية أو نظامنا الكرتوني سيكون بيد أحدهما مفتاح النجاة، مالم نفهم أن المعارضة والموالاة مفاهيم نشئت وتطورت كأدوات للتعبير عن الرأي أولا وأخيرا، فلن نبرح المربع الأول، ليست المعارضة أداة للوصول إلى السلطة وليست الموالاة وسيلة للبقاء فيها، إلا في بلادنا المختلة الموازين.
ألا تغالطنا الموالاة حين تصف نفسها بدعم برنامج الرئيس؟ فهل يسيّر الرئيس البلاد أصلا على أساس برنامج محدد؟ ألا يحيد عن البرنامج قيد أنملة؟ لِمَ لمْ نسمع أية نقد أو مراجعة داخلية في الموالاة للرئيس وحكومته؟ ألا يخطئ المسؤولون في عهدكم الميمون؟ ماذا تدعم الموالات رغم الغياب التام للتفكير العميق والتخطيط الاستراتيجي لدى النظام؟ هل تدعم هذه الحملات التي يقوم بها النظام كأنها غزوات في القرون الوسطى؟
ألا تكذب المعارضة حين تصف نفسها بأنها معارضة ديمقراطية؟ كيف تسعى للشراكة في الحكم وهي معارضة؟ أليس لديها دور آخر تلعبه غير السعي الحثيث للسلطة والتخطيط للانقضاض عليها؟ أين مشاريعها المجتمعية؟ أين كشفها لمواطن الخلل في الدولة؟ أين أطروحاتها المقترحة لحلول المشاكل المعقدة التي تربك النظام؟
كل شيء مشوه في هذا البلد: الطبيب الذي نتوقع أن يكون ينبوع رحمة هو مصدر عناء ونكد عابد للأوقية، الأستاذ الذي يتوقع أن يكون مدرسة أخلاق وقيم هو مسخ عديم الهوية عابد للأوقية، المحامي الذي تكون على الدفاع عن المظلومين ورفع الضرر عنهم هو ظالم غاشم عابد للأوقية، التاجر الذي نظن أن إرضاء الزبون هو همه الأول هو في الحقيقة عدو الزبون الأول يدس له الدسائس ويدير عليه الدوائر عابد للأوقية، الصحفي الذي كان همه التنقيب عن الحقيقة النافعة وبثها بين الناس نجده يعبث في أعراض الناس يغطي الحقائق حين لاتخدم مصالحه عابدا للأوقية.
فلماذا يعرف الموريتانيون أكثر من غيرهم عن الدين والأخلاق وهم أقل الناس عملا بالمبادئ؟ لماذا نعيش أزمة أخلاق حادة مع ثرائنا العلمي؟ في نظري أننا في اللحظات الأخيرة قبل أن تكتب على هذه البلاد لعنة تاريخية لن تنمحى مالم تنقسم على نفسها أو تشتعل فيها حرب تغسل أقذارها.
وأبسط شيء نقوم به اتقاء لهذه اللعنة التي تظل رؤوسنا أن نوقظ ضمائرنا من سباتها العميق، أن نقول الحق، أن ننكر المنكر، أن نقول للسارق ياسارق، أن نقول للكاذب يا كاذب، ولو كانوا آباءنا أو إخواننا أو عشيرتنا، فالحق والعدل هو عشيرة المؤمن الصادق وأهله.، إني لأعجب كيف يغيب عن عامة المسؤولين في بلد مسلم عميق الاسلام استشعار المسؤولية ألسنا كلنا رعاة؟ وكلنا مسؤول عن رعيته، لو استحضرنا قوله تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (*) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ لعرفنا أن المهندس الذي يجهز البنيات بمواد لاتدوم إلا أياما سيسأل، والطبيب الذي يصف علاجا لسبب تجاري سيسأل، المثقف الذي لايكتب إلا حين تمس مصالحه سيسأل، والأستاذ الذي لاينصح إلا لدافعي الدروس الخصوصية سيسأل، كما سيسأل الرئيس عن كل مواطن لم يجد قوته فترك تعلم أساسيات القراءة ليطلب قوته، وسيسأل عن ذلك البائس الفقير لما ألم به مرض عضال في نواحي تنبدغة فلم يسعفه ولم يرسل ناقلة عمودية هوائية لنقله، سيسأل عن الطينطان الذي اجتاحته السيول لم لم يقم بدراسة قبل حدوث الكارثة، سيسأل عن أطفال الركيز لم حقنهم ممرضون في دولته بمواد مخدرة قاتلة؟ سيسأل عن عائشة الصبية التي دهستها سيارة مسرعة قبل يومين لِمَ لمْ يحمها ؟

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

كتائب القصر الرمادي الإعلامية


ما إن تدير مفتاح سيارتك وتدوس لسان المحرك حتى يدور المحرك ببلاهة تامة ويطلق أزيزه العجمي ليعلن عن وجوده بتفاخر بليد، وإذا ملأت أمعاءه ذهبا أسود فلن يتسآءل أين تنوي الذهاب، ولن يتذمر من الطرق غير المعبدة ولن يبدي امتعاضه من تركه يزمجر وأنت واقف في انتظار الإشارة الخضراء، هكذا همُ الكتّاب الأجراء، أو هم كالهاتف العمومي: ضع نقودك وقل ماتشاء، أزعم أن الحرف لم يعان في تاريخ بلادنا كما يعاني اليوم، ولم تنفصل الكلمة عن الواقع كانفصالها اليوم عنه، لقد أصبحت الحروف تُحمّل ما لاتطيق، وترسل إلى حيث لاتريد: ترصّ رصا في بنيان لامنطقي ضرارا وكفرا وتفريقا بين الناس، المنطق العفن الذي يكتب به كتّابنا الحرفيّون الأجراء (الذين أسميهم الكتاب الانتصاريين) اليوم يشوه صورة الكاتب نفسه، ويجعل قراءة الصحف فعلا مقززا، انظر إلى من كتب: «لقد حول فخامة رئيس الجمهورية صحراء مثلث الفقر إلى جنات خضراء بعد عقود العزلة الطوال، وفجر فيها الماء ينابيع، وزينها بالطرق  و ملأ الأرض أمنا بعد ما ملئت قبله رعبا وفزعا،وأجلى البؤس عن ألاف الفقراء وسكان الأحياء الشعبية عندما قسم الأرض، وخطط الأحياء، وشيد المدارس، وأبدع تحويلا جذريا لا مس حياة الناس» ويكتب آخر« سبيل الظفر متواصل؛ على جادته، أجيال التغيير البناء، تمضي في المقدمة، والمشاريع الحاضنة تلحق»
فأسالك أيها القارئ الكريم : كيف لمواطن عاقل يقاسي الويلات في سَبْحه اليومي أن يضيع من وقته لحظة في قراءة تفاهات كهذه؟ من سيصدق إذا قيل له إن البلاد بخير وأن الطرق عبدت وأن الحدائق شيدت والإنارة شملت جميع الشوارع والأزقة فإذا خرج رأى السيارات تنغرس في الرمال الموحلة على بعد متر واحد من أكبر الشوارع، أو رأى يد الردى تتربص به في أزقة حيه المظلمة الضيقة؟  غير العاقل وحده من يجرؤ أن يكتب هكذا ترهات.
كتائب القصر الرمادي الإعلامية
ولا أشكّ فيما يشير له البعض من أن للقصر الرمادي خلية كتّاب مرتزقة سرية تشكل فيلقا إعلاميا يعمل ليل نهار على فرز المقالات والشبه السياسية المثارة، والدليل أن هذه الفئة تعمل بالأوقية أنها في فترة حادث الطويلة المؤسف لم تنبس ببنت شفة وكانت تنتظر الأوامر أو على الأصح تنتظر الأجرة، وهذا الفيلق غير متجانس، وكتائبه متباينة الجهد والأجر، وتتوزع الكتائب في نظري إلى:
كتيبة الكلاب الضارية: كتيبة متمرسة تعمل بأجر ثابت وبهمة محددة، خلق غطاء منطقي للامنطقية النظام، وهي كتيبة منطقية في الكتابة تعتمد على النبش والنهش في الأعراض.
ومهاجمة الآخر ولاتدافع عن التصرف غير المنطقي بل تتجاهله وتحاول إثبات لامنطقية رد الفعل المعارض.
كتيبة مرتزقة الشوارع:التي تكتب بأسلوب شرس في مناسبات محددة طمعا في أن يصيبها من رضى القصر نصيب، ولاتأخذ أجرا بل تكتب طمعا وفصائلها ضعيفة بعضها يكتب طمعا في منصب أو نصرة لدم العشيرة أو دفاعا عن شخوص النظام، وتتحدث عن برنامج الرئيس وتغفل عن واقع التطبيق.
كتيبة المغفلين:التي تكتب ماتظنه صدقا بسذاجة وأغلبها من المترفين، وتبقى كتاباتها موغلة في اللامنطق، وتكتب بأسلوب هادئ غبي، وغالبا ماترد على المعارضة، ردودا مضحكة.
كتيبة المتحيزين: كتيبة يحاول أفرادها تهدئة الجميع، قائلين إن الوضع بخير، بأسلوب مهدئ يكشف إيجابيات النظام ولايعيب المعارضة، بل يدعوا للتكامل، وأصحابه يحاولون عبثا الجمع بين النقيضين رغبة في إنقاذ الحكومة أو النظام.
وهنا أود أن أسجل إقراري بحصافة بعض الكتاب الانتصاريين (الذين ينتصرون للنظام وأزلامه) الذين لم يجدوا في النظام ميزة إيجابية ينافحون عنه بها منطقيا، فانخرطوا في حملة لا أخلاقية في جمع عيوب مناوئيه لبثها للضغط عليهم لعلهم ينتهون، ففي هذا الأسلوب المافيوي احترام للمنطق واستهتار بالأخلاق العامة وإسفاف منقطع النظير، يعلنا نرا صاحبه ككلب مدرب ينهش أعراض الناس ولحومهم كلما اقتربوا من حماه، وهنا أود القول وأؤكد أن أي مواطن عاقل لايقبل أن يجعل خلافه مع الساسة وأهل الشأن العام قضية شخصية، فشخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس هدفا إلا لقلم مريض، لكنه سياساته العرجاء تظل هدفا ثابتا لكل كاتب حر يهتم لمصلحة الوطن.
وفي الختام أود أن أنبه النظام وكتابه ومتطوعيه ومرتزقته، أن الصحف لايقرؤها إلا قلة قليلة جدا من نخب الشعب، فلم كل هذا العناء؟ فليتجهوا لتلفزيونهم وليملؤوه كذبا ونفاقا، كفاهم تزلفا في الصحف والمواقع،أيها الانتصاريون لن تغطوا بكتاباتكم المهترئة وهجماتكم الكلابية الوضيعة عين المواطن عن الواقع، إن نظامكم لايتحمل مسؤولية أفعاله لايعرف أين يضع رجله كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فاشتغلوا في إنقاذه فكروا في خطط تخفض الأسعار فكروا في تنمية البلاد، فكروا في إدماج الشباب في سوق العمل، فكروا في لجم شبح الزبونية والقبلية والجهوية الذي يخيم في كل تصرفات نظامكم، فكروا إن كنتم تفكرون فإن نظام ردة الفعل الذي تناصرون لم يعد فعالا، فليفعل شيئا لإنقاذ نفسه، كنظام السب والشتم واللامنطق الذي تكتبون به؟ هناك من لا يخافكم ولاتنطلي عليه أكاذيبكم فماذا أنتم فاعلون؟
المختار ولد الشيخ.

موريتانيا في عين الإعصار: ويتسارع الدوران.


أولا: أنا والسيد محمد فاضل، الحديث ذو شُجون
يعاني المثقف الموريتاني من حالة تواضع عفوية مُفرطة، ربما اكتسبها من مسحة التصوف الذي كان شائعا في البلاد، أو ربما تربى عليها في أحضان المحاظر التي تُـفتـتـَحُ جلّ كتبها بسيل تواضع هادر، يكاد يبعث فيك الرغبة في التخلي عن دراسة الكتاب، لما وصف المؤلف نفسه به من قصور الباع وقلة العلم، ولكنك لاتلبث أن يُدهشك كاتبه بقدرته العجيبة بما سطره بعدتلك المقدمة التواضعية من علم نفيس.
وهذه الدهشة لم تحدث لي مع الكاتب والباحث المحترم الأستاذ: محمد فاضل ولد السيد ولد امصبوع، في مقاله الأخير، مع تواضعه الجم، وماذاك إلا لعدم توفر عنصر المفاجأة، فالكاتب معروف وله صولات وجولات يعرفها كل متصفح لصحفنا المسودة حياء من خلوها من الفائدة، وسُوح مواقعنا القفر من الكتابات العميقة الرزينة ككتاباته.
ولذلك قرأت مقاله الأخير بتعمق يليق بثقل الكاتب ومكانته، وراجعت عملا بنصيحته مقالي ومقاله، فوجدته يؤكد ويوقع على صحة الوصف أن موريتانيا في دوامة إعصار وفي وجه عاصفة، أما كون حدة سرعة الإعصار خفت قليلا بعد وصول النظام الحالي إلى السلطة فهذا أمر لامراء فيه ولاجدال، ولكنها اليوم تسير نحو المجهول بخطى أزعم أنها متسارعة.

وإليك أيها الأستاذ الفاضل تلك الأشياء الخصوصية غير المهمة، التي أثارت فضولك: بخصوص الصورة الشخصية فلا تتوفر لدي صورة ألكترونية حاليا، وأنا موريتاني أفتخر بانتمائي لشنقيط(موريتانيا ما قبل الاستقلال)، وأزعم أنني مواطن صالح، ودافع ضرائب ملتزم، رغم أن لا أملاكَ تذكر لدي، وحامل شهادة علمية عليا عاطل عن العمل، أقلب كــفيّ كل يوم على ما أنفقتُ فيها من سِـنِي عمري الثمينة، سنين عددا بددتها طلبا للعلم، أيامَ كنتُ جاهلا أنني في بلد يغتالُ فيه الجوع والفقر، أما الجهل فيه فهو نعمة، لأنه، على الأقل، يقلل من إحساس المرء بالغبن والظلم، ويـبلـّـد مشاعره، فرهافة الحس وسلامة الذوق في بلد كبلدي مصيبة عظيمة، بالكاد أدبّر أمري في دولة النظام الحالي الذي تصفه بالعدل، عدلٌ أرجو أن يصلني مالم تكن تعني ذلك العدل الذي شرب المواطنون جميعا من كأسه الزعاف، فأفّ له من عدلٍ يوزع كالحقن غصبا.
أما بخصوص سؤالك لِمَ لمْ أكتب قبل اليوم؟ فلا أظنه يعنيني لأنني في المقام الأول لست من فئة المثقفين المؤثرة، من أمثال الأستاذ باباه عبد الله، الذي أعيد أنا هنا طرح السؤال عليه، كما طرحته في مقالي السابق، أين أنت يا أستاذ باباه ـ ومعك أغلبية المثقفين الصامتة ـ  من قضايا الوطن الكبرى؟ أما عن العبد الضعيف فإنني أكتب منذ عام 2005 على صفحات بعض الصحف الوطنية، وآخر مقالة لي بين تأليه وشيطنة الرئيس، نشرت قبل أسبوعين، وأنا عاذرُ لك أن لاتكون قرأت لي يوما يا أستاذ  محمد فاضل، ففي أغلب الأحيان لاتنشر مقالاتي إلا على موقع وحيد:موقع أقلام حرة مشكورا، فقد ضاقت صفحات المواقع الأخرى رغم اتساعها عن حرفي، وامتلأت رغم خوائها وقالت قطني قد امتلأت من الآراء بطني.
ثانيا:سؤالُ: أينَ نحنُ؟ جنوحٌ عن أسئلة الوطن.
لا يُستساغ إطلاقا تحت أي ظرف أن يتناول المثقفون موضوع تقدم دولة مصنفة في العالم الثالث أو تأخرها، لأن تأخر وتخلف بلدٍ أيا كانَ ـ أحرى كبلدنا للأسف ـ أمر مفروغ منه، ولا يحتاج لسوق الأدلة، ولايخفى على عاقل، ولا يقبله ذو ضمير حي، والموالي المحترم للنظام والمتحيز له لايجد ما يدافع به عن نظامه إلا وصف المعارضة بالمبالغة والتشويش الإعلامي المغرض على عمل الحكومة، إذ أن المعارضة نفسها ليست مصدر التوتر والانسداد المتزايد في الأفق السياسي في البلاد، بل إنها تستخدمه وتجمعه في سلتها، فغاية ما يستطيع الموالي وصف المعارضة به أنهم: جَمّاعــوا حطب، ويبقى مقرا في الأخير أن ماجمّعوه حطبٌ مشتعلٌ.
فماذا ستقول لمظلوم يتظاهر طلبا لحقه الذي انتزعه مسؤول سام من فمه؟ أتقول له أنت كاذب تتظاهر وتتكبد عناء الصبر في الشمس فقط لأنك معارض، أم تقول إن ذلك المسؤول سيحاكم وأن النظام لايجير الظالمين؟وتطمع أن يصدقك هكذا بسذاجة؟ وبماذا ستجيب مكونا اجتماعيا تتظاهر عناصره لأن ابنهم حبس؟ بأن الدولة أصبحت عادلة فجأة وأن القضية تعني القضاء ولا دخل للنظام فيها؟
هناك أجوبة جوفاء فارغة أكثر خواء من الصمت نفسه، لا أحد سينام في حضن دبّ شرس مهما تقسم أنه أرنب وديع، بمعنى أدق:عندما تسير الدولة بعدل حقيقي، أقسم لكم أنه لن يتظاهر مواطن ضد تطبيق القانون في أهله ونفسه، عندما تصبح مشافينا على مستوى عال من الفاعلية والحيوية سوف لن نرى أحدا يسافر للخارج يتلف أمواله للدواء، عندما يجد الطالب فور تخرجه فرصة للعمل سوف لن نقول إن نظامنا التعليمي فاشل، عندما تصب غيوم الخريف المثقلة ماتصب فوق رؤوسنا ثم ننظر ولانرى البرك المائية كالبحر تحتنا حينها فقط نكول إننا نملك صرفا صحيا، حين نجد الحدائق العمومية تنشأ تباعا نقول إننا في الاتجاه السليم.
في بلد كوطني، أرى أن لا وقت لدى المثقف المحترم ليكتب إثباتا على تخلف الدولة وتأخرها، فمباحث المثقف وأسئلته التي يلح الوطن في طرحها عليه أخطر وآكدُ من هذا السؤال القاعدي، والذي لن يكون المرءُ مثقفا أصلا إلا إذا أدرك ببساطة إجابة السؤال الأولي: أين مقعد وطني في مصافّ الأمم؟ وسيدرك إن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، مدى تخلف وطنه الجريح المقعد،;ويعرف أن موريتانيا في قلب الإعصار منذ استقلالها إلى اليوم، وعليه أن يكتب حينها رده على السؤال التنموي: كيف نرفع من شأن بلادنا؟
ثالثا:السؤال المطروح: ماذا نريد وأين طريق التنمية؟
    ليت الوطن كان جميلا معبّد الطرق به حدائق ذات بهجة، ليته كان به أطباء مخلصون ومعلمون بررة ومحامون صادقون، ليت لنا نظاما يسهر على مصالحنا بشفافية، ليت لنا حكومة تعترف بأخطائها فنحاسبها، ليت لنا برلمانا يعرف شيئا غير الكلام اسمه الفعل ورد الفعل، ليت لنا شرطة يقظة تسهر على حمايتنا وتدفع رواتبها المجزية من ضرائبنا، ليت لنا بلدية حية تميط الأذى عن طرقنا، ليت لنا أملا نعيش عليه حتى ننام بلا أرق، كل هذه الأمنيات لن تتحقق بين عشية وضحاها سوف تتحقق بالتضحية والعمل الجاد الشاق من جميع أبناء البلد، لكن هناك ثلة قليلة من المواطنين هي المفتاح، هي الطريق هي الخطوة الأولى، إنهم عازفو جوقة التقدم والنجاح والنمو، إنهم معلموا الأمة، إنهم ملهموا الشعب، أعني أولي الأمر منا، أهل الحل والعقد، أهل القيادة والرئاسة، من أوتوا حظا من العلم من أوتوا حظا من المال، من أوتوا حظا من السلطة، هؤلاء وأولئك هم من يتولى كـِبر الفساد في الدولة، هم من يستطيع أن يقود سفينتها لبر الأمان، فليصلحوا أنفسهم تصلح بهم الأمة.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.....و لا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت....وإن توالت فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة الناس أمرهم..... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا.
المختار ولد الشيخ.

لمن لايفهم التعايش

لمن لايفهم التعايش
كنتُ أعلم أن الكثيرين من بني وطني لايفقهون التعايش ولا أساليبه ولا ضرائب العيش المشترك، ولقد تأكدت حين قرأت ردودا مشبعة بالعواطف خالية من المنطق العلمي، تقطر حقدا على ما تصطلح هذه المقالات على تسميته مجتمع البيظان، كتبت فيما يبدوا ردا على دعوة للتعايش، ولست هنا في معرض الدفاع عن البيضان أو مهاجمة غيرهم، فتلك مهمة قذرة أربأ بنفسي عنها، ولكنني أجد لزاما علي أن أبين الحق لكتاب عموا عن الحق وفهموا التاريخ مقلوبا، وتعلموا من الكتابة ما يجرحون به أنفسهم ومجتمعهم، ثلة يفوح من كتاباتها دخان الحقد، فكتبت إطفاء لما ينوون إشعاله من نسيج وحدتنا، ولن تلبس أباطيلهم إلا على جاهل  لايميز بين الحق والباطل.
حين يجد البعض ضغطا من مصاعب الحياة العملية ينكفئ على ذاته ويرى الكون من زاوية شخصية ضيقة، تجعله يرى مشكلته الشخصية البسيطة (الحصول على ترقية وظيفية، أو الحصول على مكاسب مادية) مشاكل وطن، ومذابح للتضحية بجميع المبادئ، فيقيء كل ما في جوفه من حقد متراكم، ويتكلم بكلام أقل ما يوصف به أنه هذيان سكران، وأعظم تجن على الحقيقة أن نصف مثل كاتب هذه المقالات بالحقوقي أو المناصر للقضايا الحقوقية، لاسيما وأنه يضر القضايا التي يدافع عنها أكثر مما ينفعها.
كل ظلمٌ عميق لانستطيع رفعه هو استعباد
أعتقد أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان هو نقطة سوداء في تاريخ البشرية تطورت عبر مراحل عدة، لتتجذر في وعي المجتمعات المتعاقبة، ولكن البشرية بلغت أوج نضجها الاقتصادي والمعرفي ما جعل من الممكن تطبيق فكرة تحرير العبيد فيزيائيا والإبقاء على استعبادهم اقتصاديا، فأنا أزعم أن الظلم المجحف الذي يتعرض له الإنسان في عالمنا الثالث، يجعله عبدا للنظم الحاكمة والثلة المسيطرة على الاقتصاد والسياسة، وأجزم أن الظلم في موريتانيا شامل، ولايكاد المرء يولد حتى تصله فواتير الظلم الذي يدفعها من صحته ومستوى تعليمه وتخبطه في دروب المستقبل،ولاشك أن الظلم درجات، والمظلوم نفسه ربما كان ظالما من قبل، والفرد الموريتاني يتربى تربية معوجة غير سوية، تجعل ظروفها وضغوطها نفسه مشوهة مصابة بعقد نفسية خطيرة، يُظلم حين يرتكب الأطباء أخطآء في صحته، يُظلم حين يمارس المعلمون عملية تعليم رديئة في حقه، يُظلم حين يمارس والداه عملية تربية مشوهة عليه، يُظلم حين يصنفه المجتمع في طبقة دُنيا لايستطيع فكاكا منها، يُظلم حين يبحث عن عمل فلا يجده إلا بشق الأنفس ليستعبده رب العمل، وليستعبده من توسط له في إيجاد العمل، ويستعبده شرطي أمن الطرق الذي يعامله بجفاء وغلظة، يستعبده حتى البقال.
وصفحات صحفنا تمتلئ بصرخات الشكوى من هذه العبودية العصرية والظلم المستشري الذي ينتشر في بلادنا، ولعل آخر الشكاوي التي أشار صاحبها عبد القادر ولد أحمدناه إلى شركته التي ظلمته بأنها إقطاعية متوحشة، ولست أنسى ماعاناه الأستاذ الفقيه باب ولد معط قبل أن تنتبه الرئاسة وتقوم بواجبها تجاه هذا المواطن الصالح الذي طالما أنار دروب الناس وأفادهم بعلومه.
في منظومة الظلم الذاتي المتكاملة هذه، لايكون من المجدي أن نركز على ظلم فرد واحد نجعله قضية تاريخية نحاول إثباتها، ألا يظلم أبناء هذا الوطن أنفسهم وذواتهم؟ ألا ينبغي أن نفكر في المشاكل أكبر؟ أن نطرح الأولويات لوطن يهوي في بئر التخلف العميقة:  نظام تعليمي متهاو، نظام صحي متخلف، نظام أمني شكلي، أليس من الغباء أن نصرف جهودنا وننقب في التاريخ لنثبت أن رئيس البرلمان الحالي والموظف السامي السيد مسعود ولد بلخير لم يعين مباشرة بعد تخرجه؟ ماهذا السرطان الفكري الذي أصاب هذا النوع من الكتاب؟ حتى يكتب عن موقف تمييز مزعومٍ مورس ضد من أصبح من أسمى موظفي الدولة الحاليين ورئيس إحدى السلطات العليا في البلاد؟ أليس عمى الألوان هذا عنصرية؟ ألم يشاهد كاتبه ماتعيشه بلادنا من ظلم مجحف في حق جميع أبنائها بيضا وسودا؟ ألا يسعى هذا النوع من الكتاب إلى تعميق الجرح ونبش قمامات الماضي؟
لا أشكّ في أن جنوح بعض الكتاب المغمورين للكتابة بأسلوب عنصري مقيت يرفض صاحبه التعايش، لن يخفف من حدة معاناة لحراطين التي تخنقهم كجميع المواطنين البسطاء في هذا البلد للأسف، ولكنني أنبه العقلاء من هذه الشريحة والمدافعين بصدق عن قضاياها أن المعضلات لاتحل بين عشية وضحاها، وأن النضال طريق تراكمي طويل، لن يبلغ نتائجه المتزلفون الانتهازيون الباحثين عن مغانم ذاتية آنية، ولا ينكر أحد ماتعانيه هذه الشريحة من تخلف ومعاناة مضاعفة، ولكن حلها في التكافل والتعاضد، والتخطيط لاستراتيجي لتنمية آدوابه والتجمعات التي تشكل بؤرا للمعاناة والتخلف للأسف، فلن يتقدم الوطن إلى إذا تقدم بجميع أبنائه، لن يصلح الوطن إلا إذا صلح لجميع أبنائه، ويد واحدة لاتصفق كما في المثل الشعبي.
ما الذي يهدف له كاتب يسعى علنا لتفريق المجتمع وزيادة جروحه؟ ألا يقرأ هؤلاء التاريخ؟ لِمَ لم يتعلموا من نيلسون مانديلا؟ الذي وقف ربع قرن أمام الظلم ثم خرج لايحمل حقدا على أحد، ألا يتعلم هؤلاء من قيم دينهم؟  ماهو الحل في نظرهم؟ أن يوقدوا حربا يخسر فيها الجميع؟ ماهي حلولهم المقترحة غير سبّ الآخر وشتمه؟  هل ستحل معاناة لحراطين بسب البيضان ولعنهم؟ فليوقدوا شمعة بدل لعن الظلام، فليقوموا بتعليم هذه الشريحة، فليقوموا بجمع التبرعات لها من الموسرين، فليبنوا المساجد لها، وليؤسسوا المدارس، لكن هيهات أن يقبل ممولوهم صرف أموالهم في نشاطات هادفة حقا كهذه، هيهات أن ينتزع أمثال هذا الكاتب اللقمة من أفواههم ليضعوها في أيدي الفقراء، ليس معنى التعايش أن تحل جميع المشاكل، بل معناه أن يتنازل البعض للبعض، أن نؤجل بعض المشاكل لنحل مشاكل أخرى أكثر إلحاحا، فمشكلة تعليم آدوابه أكثر إلحاحا من ترقية أستاذ فلسفة، ومشكلة إصلاح التعليم أولا أهم من تعميمه فتعميم تعليم فاسد لاتحل المشاكل بل تفاقمها، هكذا نفكر نحن دعاة التعايش، لا ننكر المشاكل ولانقزمها، ولكننا نبحث عن حلول جذرية شاملة، مستعدون للتنازل عن حقوقنا في حديقة عامة في نواكشوط لتبنى مدرسة في أمبود، ولكن هل من مستجيب، حقوقنا نحن تؤكل وتنهب كما تنهب حقوق البسطاء في تنبدغة.
يجب أن نعي أننا حين نزيح الظلم الذي تمارسه جميع الأنظمة على أغلبية المواطنين فسوف ننجح في تعميم التنمية، وحين نهزم شبح الفساد فسوف ننعم برخاء العدل الشامل، لاتستطيع دولة أن تكون عادلة تجاه فئة دون فئة، هل يشيد النظام شوارع للبيضان أو الزنوج؟ هل يداوي البيظان في نظام صحي راق؟ نحن جميعا نعاني فلنقف جميعا في وجه الظلم ولنعد ترتيب أوراقنا.
المختار ولد الشيخ.

لقد عرفنا التنين من انفعاله

لقد عرفنا التنين من انفعاله
لدى الداعية الشيخ محمد ولد سيدي يحيى كلمة ثمينة طالما سمعناه يكررها على الحاضرين لمحاضراته مخافة انزعاجهم من صراحته، حيث يقول الشيخ حفظه الله (آن ألا نطرح مارت حد وحد اسمع مارته لايكول اني كلت له شي) حقا، لقد سمعت أذن القصر الرمادي الصماء مقالة السيد السفير محمد فال ولد بلاّل، وأود القول هنا والتنبيه أنني لست في معرض الدفاع عن السفير، فقلمه أمضى من قلمي، وحرفه يسبق حرفي، وأخطاؤه ليست أخطائي، ولكني عجبت لكتاب يوصف بعضهم بالعمالة لجهات عليا، ولايوجد لبعضهم وصف لكونه نكرة في المجال الإعلامي، إذ يتطاولون على هذا المسئول الوطني المثقف بكل هذه الوقاحة والفجاجة، ولعل من كتبوا هذه الحروف بمرارة أحسوا بلسع نقد حروفه الراقية المحترمة التي وصف فيها حال أغلب الزعامات العربية، والتي ما تزال تحكمنا سلالات تنانيها المحرقة متسببة في معاناة شعبنا الأبي.
إنما انتقد السيد السفير حال الزعماء العرب فلماذا انبرى البعض سبه ويشتمه؟  إن كان ذلك دفاعا عن الرئيس الحالي للبلاد فهم بسذاجتهم يجرمونه قبل أن يدافعوا عنه، أفكلما وصف كاتب رئيسا بالظلم خلتموه رئيسكم المفدى؟
لقد انتهت اللعبة
وإن كنت لي تعليق على السفير فهو عتاب على عدم تقدمه بشجاعة بكتابة اسم التنين الذي وصفه في مقالته، فنحن نعرف أن النظام الحالي هو نفسه النظام الذي كان يحكم من خلاله الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، ولم يتغير ولكن الرئيس الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز أطلق وعودا وخطابات أغرت الكثير منا باتباعه والتصويت له والوقوف معه رغبة في إحقاق الحق ورهبة من رجوع تنانين الفساد للعبث بمقدرات بلدنا ، وصدق وعوده بإطلاقه لمشاريع جريئة وعملاقة حققت الكثير لشعبنا كمشروع توسيع الشوارع وإنشاء شركة نقل عمومي وتخطيط الأحياء العشوائية، ولكن السيد الرئيس لم يف بوعوده التي قطع بترقية تلك الأحياء ونكص على عقبيه حين تعلق الأمر بتشغيل الشباب ، وظهر أنه غير اتجاهه تماما ، وأوقف حرب الفساد، لقد انهزم أمام جحافل المفسدين القوية المتمرسة الضاربة جذورها في واقعنا الاجتماعي والاقتصادي، وليت سيادته اكتفى بالانهزام أمام هذه الجحافل وانهزم وفر من أرض المعركة، ولكنه سمح لهم بالحكم به وباسمه وأعادوا إنتاجه تماما كما تعيد الخلية المصابة بالفايروس إنتاج الفايروس في الجسم بعد أن كانت تحاربه، لقد أصيب النظام بفايروس الفساد وأصبح يمارسه بشكل فج وصريح، ولئن كنت كإنسان متابع محايد محدود الاطلاع، لا أملك أدلة على فساد يمارسه الرئيس بنفسه، ولكنني على اطلاع تام على كوارث الفساد الشاملة والعقليات البائدة التي انبعثت فجأة من عباءة النظام وأصبحت تمارس بشكل علني، لقد خبّأ السيد الرئيس إيمانه بمحاربة الفساد، وترك الشعب نهبا لزبانية نظامه يقتاتون من عرقه، أين الحدائق التي وعدنا بها؟ أين المشاريع العملاقة التي كان يتشدق بها؟ أين الصرف الصحي؟ أين الشوارع التي كانت تدشن بكرنفالات بهلوانية؟  أين مردود الاستثمار الكبير في قطاع المعادن على حياتنا نحن المواطنين؟ أين وصل تشغيل الشباب وتغيير الطبقة السياسية؟ ألن تكتتب منهم بضع مئات وتترك منسية تصارع تنانين الفساد العاتية؟
سيدي الرئيس إني أقولها صراحة : انتهت اللعبة فلتذهب حيث شئت لم تعد أمل البسطاء والمحرومين والشباب العاطلين، هاهي موريتانيا تطرد من منظمة الشفافية وتترسب في قاع الفقر كأفقر دولة عربية، ألا تخجل سيدي من وصفكم برئيس أفقر دولة عربية؟ ألا تخجل سيدي من كون بلادكم مرتعا لشركات نهب عالمية متعددة الجنسيات لاتبقي ولاتذر؟ أين مرتنة الكوادر في موريتانيا في وظائف هذه الشركات؟ أين لست أعلم هل سترحل أم لا ولكني أعلم أن سماء الوطن لن تبكي عليك، ولن تغفر لك أحلام الفقراء التي ولدت بمجيئك للسلطة، لقد تبخرت أحلامنا الساذجة بالتصحيح كما تبخرت أحلامنا بالخلاص الوطني وبالعدالة والديمقراطية. ما أتعس حظ الشعب الموريتاني بهكذا حكام فاسدين فاشلين.

ملاحظات على وثيقة الميثاق


تلقفت بشغف كغيري من المواطنين الغيورين على وطنهم الصريع،  وثيقة "الميثاق" التي وصفها المؤترون في المؤتمر الأخير أنها جاءت من أجل المطالبة بحقوق سياسية و اقتصادية و اجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا موحدة، عادلة ومتصالحة مع نفسها الحراطين وما أدراك ما الحراطين : نصف المجتمع أو يزيدون، انتشرت المعانات فيهم أفقيا، أكثر مما انتشرت في أي طبقة أو جهة،  عانوا بما يكفي، لكنهم لم يكونوا وحدهم من عانى، ولامعنى في نظري للحديث عن مشكلهم بمعزل عن مشكل المواطنين البؤساء الذين يمثلون غالبية السكان.
وإن كنت قد لقحت ضد الخطابات الإعلامية والدعوات الجذابة العميقة، إلا أن فكرة المؤتمر أعجبتني كثيرا، لكونها مظهر راق وسام من التفكير الجدي التشاركي التفاعلي للبحث عن حلول لمشكل يؤرق دولتنا المتعثرة، أو على الأقل يؤرق كل من يفكر في مستقبل أفضل لوطننا. ولكنني آسف للسطحية البالغة في بعض أفكار الوثيقة، ولعل عذر من كتبوها أنها ربما كانت مسودة كتبت على عجل، وليسمحوا لي أن أبين هنا ملاحظات جذرية حول محتوى هذه الوثيقة.
أولا: ينبغي لكل مواطن مخلص أن لا ينفرد بتفكيره لحل مشاكله الشخصية أو الفئوية الضيقة، فكلما عزل الضعفاء أنفسهم وتقسموا حسب اللون أو العرق أو الجهة كلما ضعفوا وتفرقت كلمتهم، وكلما كانت الحلول المقترحة غير قابلة للتطبيق لأنها تهمل معالجة مشكل جذري أخطر بكثير مما تسعى لحله، فمشكلة الدولة الموريتانية اليوم لم تعد مشكل فئة أو جهة بعينها، بل هي أزمة مجتمع ودولة، ولنأخذ مثالا: المشاريع الساذجة التي اقترحتها الوثيقة من توزيع قطعان الماشية مثلا أو السماح بإنشاء شركات مع تسهيلات ضريبية وغيرها، هذه الحلول وغيرها ليست إلا بابا جديدا لتعميق الشرخ بين طبقات المجتمع وبابا واسعا من أبواب الفساد ستسغله الطبقة المخملية في مصالحها، فما أهون أن تتخذ القطط السمينة من من مواليها واجهات سمراء لأعمالها وتأكل الأخضر واليابس باسم التمييز الإيجابي، وما أسهل أن يسيروا مشاريع توزيع الرؤوس الحيوانية على حراطينهم المطيعين ويتركوا كل حرطاني متعلم محترم مستقل محروما كما كان من كل فرصة في العيش الكريم مالم يركع لهم، فنفس الشيئ يمارس ضد الشباب الخريجين اليوم مثلا، ففرصهم التي تتاح لهم توزع بعقلية قبلية جهوية مقيتة تفرغها من معناها وتجعلها تنحرف عن أهدافها النبيلة، إن مثل هذه الحلول لايمكن تطبيقها أصلا في دولة فاسدة ونظام تحكمه قبلية وجهوية وأحادية عمياء كاللتي تحكمنا اليوم. في بلدنا يا هؤلاء لايوجد مسؤول مستقل نزيه، في بلدنا العدالة في يد الحاكم والحكومة وبرامجها وتمويلها في يد الشخص الحاكم يسيرها كأنها أمواله الشخصية.
ثانيا: لن تتقدم موريتانيا مالم يتقدم جميع مواطنيها، ولاشك أن الحراطين فئة من هذا الشعب تستحق عن جدارة العيش الكريم، وأنا لست ضد أي تمييز إيجابي لهذه الشريحة المحرومة أكثر من غيرها. ولكنني أطالب العقلاء ببناء تفكير منطقي تسلسلي يجعل المطالب تتسلسل في نظام منطقي قابل للتطبيق، على الحراطين الواعين أن يدركوا أن لهم عونا قويا وسندا قويا في فئات البظان المحرومة مثلهم والتي عانت وتعاني من فساد الدولة كما عانوا تماما، كم من البيظان يعاني من الجهل العميق؟ كم من البيظان يعاني من الحرمان من النظام الصحي؟ كم من البيظان لايتوفر على مايرسل به أولاده للمدارس؟ لو كان البيظان كما يصورهم بعض السذج يعيشون في قصورالجنة لكان الحراطين على الأقل في شوارعها، لكن الجحيم مشترك، من فئة البظان كثير من السادات الذي عملوا مع النصارى واستخدموهم على دولتهم القائمة فينا الآن، وأكلوا الأخضر واليابس، ولكن الحراطين أيضا من كان من أبناء أماليز وتعلم في مدارس القوم وسرق كما سرق إخوته البيظان، القضية ليست فئوية إلى هذا الحد، قد مس الضر فئة أكثر مما مس الأخرى لكون الانفصال الذي تم بين العبيد وسادتهم تم بقرار ساذج من الدولة لم يدرس استراتيجيا ولم يصحبه تعويضات للمتضررين من العبودية تساعدهم على اللحاق بركب المجتمع الذي كان يتقدمهم بأشواط عديدة.
لكن أي تعويض كهذا في دولة فاسدة لايزيد إلا فاسدي الحراطين فسادا وفاسدي البظان ثراء، النظام القائم حين يعينجنرالا من هذه الفئة أو تلك سيعينه على أساس أنه أتم صنعه في مدرسة تدوير الفساد، وسيكون لأي تعيين فئوي أثر سلبي على الفئة التي ينتمي لها هؤلاء الأفراد، ماهو فضل السادة الكبار المعينين من البظان على مجتمع البظان ؟ هل التعيين في حلقة الفساد التي تنتج نفسها إلا فرصة للثراء الشخصي وتوقيعا على تعهد بالتمالؤ ضد مصالح الطبقة التي ينتمي لها الفرد والعمل لمصالح الجهة التي عينته.
ثالثا: في بلد كموريتانيا، أظن أن أجدى وسيلة للتغيير هي التفكير للاستراتيجي، والقيام بخطوات مدروسة ذات تأثير عميق على الأمد البعيد، وعدم ترك مسألة جذرية خطيرة جدا كقضية العبودية في يد بعض الهواة كالسيد بيرام ولد الداه، والذين يجعلون من قضية وطنية مسألة استهلاك إعلامي سمج يفرق ولايجمع يعقد ولا يحل، يجب على عقلاء البلد خلق نادي أو رابطة حكماء ، تعنى بالتفكير في حلول آثار الرق ومقاومة الاسترقاق تكون معنية بتقويم وتوجيه كل جهد يبذل في هذا المجال.
رابعا: لا أرى أن تجييش الحراطين ضد إخوتهم البيظان يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، وإني لأجد على حكماء البلاد عدم ضربهم على يد كل عابث بوحدة المتمع التي شرخها الفساد وعبث السنين العجفاء بها، العامة لايمثلون جزء من الحل، ليتشارك المثقفون والصناع القرار الشرفاء في صناعة رأي عام رافض للاستعباد مستعد لتخطي آثاره المقيتة ونفيها من التقاليد الجديدة التي تصاغ على مر السنين في حياة كل مجتمع ناشئ.
خامسا: أدعم كل الدعم المطالب المشروعة والصادقة برفع الظلم وإعادة تأسيس الدولة، فهذا الظلم الذي يتعرض له الشباب بتعطيلهم وبتعليمهم تعليما لايوافق سوق العمل، وتوجيههم ضمنيا للإرهاب والجريمة، ليس إلا نتيجة من بين نتائج هذه السياسات المريضة والهلوسات السياسية التي يهذي بها قادتنا منذ الاستقلال، موريتانيا لن تبنى مالم يستقل القضاء، موريتانيا لن تصلح مالم يصلح الاتعليم، موريتانيا لن تتقدم مالم يتقدم نظامها الصحي الفاشل، موريتانيا لن تكون وطنا حقيقا يستحق التضحية مالم تقم البلديات بدورها المدني تجاه المجتمع، مالم يكن للزير الحرية الكاملة في إدارة قطاعه مع المسؤولية الكاملة عن كل أخطائه، ماتعيشه موريتانيا هو واقع الفساد الأليم الذي يعاني من تبعاته كبار رجال الأعمال إلى أبسط طفل يسير على حافة شارع محفوف بالرمال غير معبد.
وفي الأخير أتمنى أن يتحقق حلمنا بأن نرى كل موريتاني ينعم بالأمن في مسكنه اللائق المتوفر على كل مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء، وبقربه نقطة صحية تسهر على رعايته صحيا ونقطة شرطة ذات كفاءة تسهر على أمنه، ومدرسة محترمة توفر له تعليما يليق بأجيال الألفية الثالثة، كلي أمل أن ينزاح ستار الواقع المخزي عن بلادنا.
المختار ولد الشيخ.
النظرية العالمية النامية: الجماهيروية
لايجد المتابع المحايد للمشهد السياسي في بلادنا، أي منطق يحكم تصرفات السياسيين ولا سياسات الحكومة، بل إن مايحصل في مشهدنا السياسي أشبه بصراع القردة على الزعامة منه بكونه مغالبة ديمقراطية، هي أشبه بإرهاصات لماسبق وجرى في ليبيا من إطلاق لنظرية لنظام حكم إبداعي فريد، تحت مسمى:النظرية العالمية الثالثة(نسبة للعالم الثالث)مما يجعلنا نتساءل بجدية: هل أبدع رئيسنا النظرية الدولية النامية(نسبة للدول النامية) في أنظمة الحكم؟ علما أنه من أنجب تلامذة العلامة مبدع النظرية الثالثة القذافي عفا الله عنه، ومن آخر من أخذ عنه، هذا التساؤل لايعني أننا نمنح شرف هذا الابداع لشخص الرئيس فالفئة التي تحكم موريتانيا، لاتفقه من الديمقراطية ولا الحكم الرشيد شيئا، وإن كانت تلبس زيها فنفاقا وتمويها، وأما واجهاتها من أصحاب الرأي والمشورة فلا يعدوا دورهم وحضورهم أن يكون دور الكومبارس في المشهد السياسي، بينما يدير الفاعلون الحقيقيون موريتانيا وفق هواهم ومصالحهم الضيقة. فعلى كل الفاعلين في هذه المسرحية تعلم أبجديات الحكم القائم، وفهم دور الكومبارس الذي يمثل دور الفاعل السياسي، ويرفع صوته وهو في الواقع مفعول به مجرور بأدوات السلطة المستبدة، هذه الفئة من الممثلين تفسد المشهد بخروجها عن صمت دورها المفترض، فتكشف أوجه سماجة وقبح إخراج مسرحية الحكم التي تجري في بلادنا.
ثرثرة الممثلين السياسيين في الإذاعات تثير حفيظة المواطنين وتزعجهم، فكثيرا مايخلط متحاورون من هذه الفئة على أمواج الإذاعات المحلية، خلطا ساذجا بين مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير والعدالة والتنمية، مما يعني أن وعي بعض السياسيين في بلادنا لايزال في حضيض المراهقة السياسية والطفولة الفكرية، فالديمقراطية تعني في أبسط تعريف لها: حكم الشعب بنفسه لأموره العامة، ولاتعني الديمقراطية كذلك التنمية ولا العدالة، بلا لايزال إيجاد أية علاقة بين التنمية والديمقراطية والعدالة أمرا صعبا، وينبغي أن نفهم التمايز بين الديمقراطية كنظام حكم وحرية التعبير كقيمة سائدة في مجتمع، فالديمقراطية لاتطابق حرية التعبير الفارغة، التي لا تعني سوى ضمان عدم مضايقة الفرد تبعا لآرائه السياسية، بل تعني أخذ آراء أو مصلحة العامة من الشعب في عين الاعتبار، أما تركهم يعبرون في فضاء الله ثم تسيير أمورهم باستبدادية وفردية، فلا علاقة له بالديمقراطية،
من هنا ينبغي أن لا نخلط بين الديمقراطية التي تتحكم الدولة في أهم آلياتهم وهي التشاور وإدارة الشأن العام والحرية التي لاتستطيع انتزاعها بسهولة من جذورها المنغرسة في عقول المواطنين الموريتانيين، فالديمقراطية التي تتوفر في موريتانيا هي ديمقراطية مشخصنة يحدد رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز مواعيد انتخاباتها ويملي على أغلبيته أبجديات أدوارها، كأنهم قصر سياسيا لايفقهون أين يضعون أرجلهم، ولادور يذكر للمعارضة فيها، الدولة منذ حكم العسكر على الأقل ملك لرئيسها، هي مملكة مستبدة تتزيا بزي جمهورية، يتصرف القضاء فيها بإيعاز من الرئيس، وتسعى الحكومة وأجهزتها للسير وفق هوى الحاكم، ولايجد المجتمع المدني ولا المواطن البسيط أي التفاتة من الحكومة وأجهزتها لهمومه ومشاكله، إلا أن يلتفت جلالة العزيز، ولا أدل على ذلك من خطابات المسؤولين الذي لايعطسون إلا بتوجيهات نيرة من سيادته، أما مكاتب الدراسات والكوادر والعقول المطمورة في وحل الفساد فلادور لها في جمهورية العزيز.
فكأن نظامنا القائم قد أنتج نظرية، وأنجز إنجازا عظيما حيث اكتشف نظاما للحكم لم يعرف التاريخ له مثيلا، يمكن أن نطلق عليه: الجماهيروية، والتي من أهم صفاتها:
1-   بقرارات من الرئيس يحصل كل شيء بدءا بالضرائب وإقرارها وجدولتها، إلى قرارات العفو والإدانة أمام القضاء. فقد اكتشف أخيرا أنه لا داعي لاكتتاب وزراء ولا مدراء ولا خبراء الرئيس يعرف كل شيء والأمر بسيط.
2-   الديمقراطية تعني أن لا نقتل كل من تكلم في الصحافة بما نكره.
3-   المعارضة: تعني الحرمان من المناصب ودرء المصالح وجلب المفاسد على المعارضين.
4-   لا داعي لترقية التعليم ولا الصحة في الجماهيروية، المهم هو خطة بموجبها يوزع الأرز وياي بوي على المعدمين، باسم الله نتصدق على الفقراء من أموالهم.
5-   الموالات الداعمة في جمهورويتنا هي حفنة من المنافقين نشتريها من سوق نخاسة الرأي، ليس همها مصلحة الوطن، وإنما مصلحة الحاكم وحاشيته.
6-   الانتخابات في جماهيرويتنا كرنفالات لاتقدم ولاتؤخر تقام حسب هوى الرئيس وهي كالعيد، نقول فيها لعامة الشعب أن كل شيء بخير ونغلق التلفاز بعدها.
7-   في جماهيرويتنا الرأي يقال، وهذه هي الحرية، أما أن يؤخذ في عين الاعتبار فهذا مالن تعرفه جماهيرويتنا.


حرية السحاحة شيء لم يعرفه الموريتانيون يوما، ولكن الأنظمة السياسية المتعاقبة مردت عليه.
لم يكن الشعب البدوي الصحراوي يوما يقبل تقطير حريته بسحاحة الحاكم، فقد تنسم هذا الشعب حرية الصحراء وامتزجت بعفويته منذ القدم، ومازالت حتى اليوم مكفولة بأعراف المجتمع البدوي الذي لايعرف سلطة ولايعترف بالحدود، وكون تلك الحرية تضايق أحيانا من طرف كل نظام حكم البلاد حين تستبد برئيسه سورة غضب فهذا أمر حصل ويحصل يوميا في عهد النظام القائم سدد الله خطاه، ومقاييس المراقبين الأجانب لحرية التعبير في بلادنا أمر لامحل له من الإعراب، لأنهم في بلدان عرفت استبدادا لم تعرفه بلادنا يوما، ثم إن في موريتانيا أساليب ماكرة يعاقب بها الأحرار لايعرفها الأجانب ولايفقهونها، ففي صحافتنا وصحفنا وأروقة إداراتنا هناك سيف آموكليس المسلط على رؤوس كل الأحرار في البلاد،  فكل ناطق بالحقيقة أو واصف لها يفتح على نفسه حربا مع النظام سيقعد له فيها كل مرصد، ويعرض نفسه للتجريد من منصبه أو الحرمان من حقوقه المدنية، هذه الأمور يدركها كل مواطن في ضميره ذرة من حرية، تثقل كاهله كأنها جبل، أما الأحرار فإنهم لايتعايشون إطلاقا مع أنظمة كاللتي تحكمنا منذ الاستقلال. ويبقى المواطن غير المعول على الدولة في فسحة تامة من أمره، فبإمكانه سب النظام والدعوة للانقلاب عليه جهارا نهارا والدعوة للحرب الأهلية والانفصال الطائفي أو الجهوي، والدعوة للمنكرات الأخلاقية والدينية، هذه حرية لاتتوفر في فرنسا نفسها، هذه الحرية العرجاء التي تمكن الفرد من تجاوز كل الحدود في تعبيره هي وليدة عقلية بدوية متحررة من نير السلطة ونظام الحكم جاهلة بمفاهيم الدولة والمدينة، وليست علامة صحية. هذه هي موريتانيا المصابة بسرطان الحرية.
المختار ولد الشيخ.

الوهم بالفهم :على هامش برنامج جلسة وطنية



الوهم بالفهم :على هامش برنامج جلسة وطنية
ستبقى الكلمات المسطرة في ورقات الصحف هامدة بلاحراك، مالم نقرأها بتجرد وحياد، لن تحرك مشاعرنا ولن تتنزل على عقولنا حكمتها مالم نتجاوز أنانيتنا وانحباسنا في جيوب الوهم بالفهم، للمنطق والعقل موازينه ، لكنها لن تعطي وزنا صادقا مالم نفرغها قبل القيام بوزن الأمور بها.
وهْــم الفهم: هو تغفل وبلادة مكتسبة تمنع الكثيرين من الاستفادة من المحاجّة المنطقية والنقد البناء، وتجعلهم يتبجحون بردود سخيفة يلبسونها رداء منطقيا مرقعا باليا، وكان الأجدر بهم التحرر من المواقف المسبقة والأحكام العاطفية في سياقات منطقية خطيرة لامكان فيها للعواطف ولا التفكير الساذج.
هذا الوهم هو مايجعلنا نسمع في وسائل إعلامنا مناظرات ومحاورات سطحية بليدة، يكون المحاور فيها ملزما بالرد ولو لم يملك جوابا، ولو اضطر لصنعه حالا أمام مستمعيه ومشاهديه، ويشعرك الصحفي المحاورُ أنه يخوض معركة انتزاع الأجوبة، فضيفه في غرفة تحقيق، ومما لاشك فيه أن غياب الوعي بقيمة السؤال وقيمة المعلومة وقيمة الجواب يشكل سببا أساسيا في فوضى الحوارات والمناقشات على سوح إعلامنا الضعيف.
هذه الملاحظة يخرج بها كل عاقل يتابع أية وسيلة إعلامية محلية حديثة أو عتيقة، لكننا كمستمعين نربأ بمؤسسات الإعلام الناشئة في فضائنا المحلي أن تزيد الطين بلة، وقررت كتابة هذه الملاحظة لما رأيت من تشوه وتشويه أحيانا في مجرى الحوارات في برنامج جلسة وطنية الذي تبثه قناة الوطنية، الحلقتين الأخيرتين (استضافتا الرئيس ولد مولود والرئيس محفوظ ولد بتاح) تركتا لدي انطباعا أن قناة الوطنية تقع في نفس الفخ، رغم أنها وهي الأحدث نشأة أبانت عن مستوى جيد في الإخراج والطرح، وأتت بصحفيين محنكين على عكس قنوات وإذاعات أخرى كانت مبتدئة حتى في صحفييها الذين يعجزون عن قراءة نشرات الأخبار، ونعجز نحن عن متابعتهم وتذكر أسمائهم الجديدة جدا في الحقل الإعلامي.
فلو أنها استطاعت أن ترقى بمستوى حواراتها لكانت رائدة الإعلام الوطني بلا منازع، أقول هذا وأنا أتذكر الحرج الذي شعرت به من طريقة طرح أحد الصحفيين لسؤال مبطن باتهام غير مفهوم على السيد ولد مولود فرد بحنكته المعهودة أنه لا علم له بهذا الأمر لكن الصحفي المحاور استبسل في مقاطعته وتذكيره بمواقف أفراد من حزبه كدليل دامغ فيما يبدو على كذب ولد مولود، طريقة الحوار هذه تسمى وقاحة بكل بساطة، وتجعل الحوار أشبه بالتحقيق أو المحاكمة منه بالحوار مع شخصية وازنة محترمة، حين ينفي الضيف ليس لنا أن نحاول حصره في الزاوية، إلا إذا كنا نعتبره عدوا نخوض معركتنا ضده.
النزول بمستوى الحوار لهذا الحضيض لا يتم إلا بتعاون تام بين المحاوِرين والمحاوَرين، وبالمقابل حين يعتبر الضيف أن كل الأسئلة مغرضة، يحول البرنامج من دوره التنويري إلى مباراة عض أصابع، من كال الشتائم للآخرين فيها ومن تهرب من الأسئلة فهو الفائز، بينما البرنامج فرصة جيدة لعرض الأفكار والانحياز للفكرة ضد العاطفة، وكم شهدنا على إهانة صحفيين من مسؤولين كبار، حين طرحوا أسئلة بالغة الصراحة لايملك السياسي لها جوابا.
فلنتعاون للرقي بمستوى أسئلتنا ولننتظر من الآخرين الرقي بأجوبتهم.
المختار ولد الشيخ.
Moktar2011@gmail.com